يُعرف عن أليكس تيو بالفعل أنه يتمتع بشخصية مستقلة عن الآخرين، وكان شعاره دائما هو التعرف على الأشياء التي يُركز عليها الآخرون وفعل عكسها.
في عام 2005، كان تيو مهووساً بأمر واحد: كسب المال... ما يكفي منه لدفع رسوم دورة لإدارة الأعمال لثلاث سنوات بجامعة نوتنغهام. بالنسبة لمعظم الشباب، يعني ذلك العمل بدوام جزئي أو الحصول على قرض من البنك. لكن، ليس بالنسبة لتيو البالغ 21 عاماً، وهو رائد أعمال ناشيء من ويلشير بانجلترا، والذي أنشأ موقعا بعنوان Million Dollar Homepage، وروّج لبيع مساحة إعلانية على صفحته بسعر دولار أمريكي لكل بيكسل في كتل 10 × 10 بكسلات.
يقول تيو إن هناك أسباباً وجيهة لاختيار الدولار وليس الجنيه الاسترليني: لكون الدولارات "الأقرب إلى عملة عالمية". أعتقد تيو بأنه سيكون لها صدى أفضل، فهدف الوصول إلى مليون جنيه استرليني كان سيصبح أصعب (كان سعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الدولار الأمريكي في عام 2005 هو 1.82). وبالإضافة إلى ذلك، فإن اسم الدولار "كان له وقع أفضل على الأسماع"، بالنسبة إليه. "الكل يعرف العبارة القائلة، "تبدو جذاباً مثل مليون دولار".
يقول تيو: "كنتُ مفلساً تماما، وكنت قلقاً بخصوص الدراسة الجامعية". ويضيف: "ثم عصفت بمخيلتي هذه الفكرة الجنونية لتحقيق الثراء السريع، سرعان ما شقت طريقها وجذبت انتباه العالم".
خلال أربعة أشهر، انتشر اسم الصفحة بشكل جنوني وبيعت بالكامل. حقق تيو النجاح والشهرة، وأول مليون له. ترك تيو الدراسة الجامعية في شهر ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام.
شملت قائمة المُعلنين أسماءً مثل "التايمز" و"بير.كوم" وأندية للقمار على الانترنت. يقول تيو إنه لم يكن يقصد نوعاً محدداً من المُعلنين، بل في الحقيقة "أي شخص يريد شراء بيكسلات".
تيو قرر أن هناك طريقا أخرى لمواصلة تعليمه الجامعي غير العمل بدوام جزئي، ولذا أسس موقعه الذي يحمل اسم "الصفحة الرئيسية بمليون دولار"
أثار ما فعله تيو أيضاً كثيراً من الحسد. كان باستطاعة أي شخص تحقيق الفكرة الجوهرية لموقعه، لكن تيو كان أول من فعل ذلك، مما دفع أشخاصاً آخرين للتساؤل في سبب عدم كونهم أول من يخطر ببالهم تلك الفكرة.
وبعد مرور 11 عاما فسنجد أن تيو لا يزال يقوم بأمور تختلف عما يفعله معظم الناس، وتختلف كثيراً جداً عما كان هو يقوم به في عام 2005. يعيش تيو حالياً في سان فرانسيسكو، بعيداً عن مسقط رأسه في جنوب غرب إنجلترا، وهو مؤسس شركة "كالم" الناشئة ومديرها التنفيذي. وتعرض شركته تطبيقاً للهواتف النقالة يحمل بنفس الاسم ويتضمن برامج عديدة تتعلق بالاسترخاء والتأمل وتهدف إلى تهدئة المستخدمين. ويمتاز التطبيق أيضاً بمؤثرات سمعية وصوتية لجداول المياه والعواصف الممطرة والأمواج.
يقول تيو: "إنه (التطبيق) بمثابة مأوى في جيبك تلجأ إليه".
وهذا التطبيق مجاني، لكن مستخدميه يمكنهم تطويره ليحصلوا على اشتراك شهري أو سنوي أو مدى الحياة. يوفر لهم الاشتراك إمكانية الوصول إلى خيارات أكثر وتأملات بمساعدة مرشدين.
الهدوء كمشروع تجاري
ليس تيو وحيداً في مساعيه لتحقيق المزيد من الهدوء في حياة الناس. هناك قائمة طويلة من المنافسين ممن يوفرون تطبيقات للتركيز الذهني والتأمل من بينها "هيدسبيس" و "بوذيفاي" و"سمايلينغ مايند". في عام 2015، بلغت ايرادات قطاع التطبيقات الخاصة بالتأمل والتركيز الذهني قرابة مليار دولار أمريكي، استناداً إلى شركة أبحاث "آي.بي.إي.إس.وورلد".
وخلال الشهر الماضي، غادرت أريانا هوفينغتون التي شاركت في تأسيس موقع "هافينغتون بوست" على الانترنت هذه الامبراطورية الإعلامية المسماة باسمها لتتولى إدارة شركتها الناشئة الجديدة للاعتماد على الذات وتحمل اسم "ثرايف غلوبال"، الهادفة إلى الحد من التوتر. ليس هناك ضرر من ذكر أسماء مشاهير، من أمثال هيلاري كلينتون وأوبرا وينفري وبول مكارتني، ممن يعرف عنهم ممارستهم للتأمل والتفكر.
تقول ماري جو كرايتزر، مديرة "مركز الروحانيات والشفاء" بجامعة مينيسوتا إن "التوتر والقلق والكآبة هي حالات مستشرية في مجتمعنا، ويتطلع الناس إلى وسائل لمعالجتها وتحسين صحتهم العامة ورفاهيتهم". وأضافت: "ممارسة ما يهمّ الذات، والتي يمكن للناس القيام بها بأنفسهم وتعلمها بسهولة، تحظى بجاذبية كبيرة".
تمتليء شبكة الانترنت بمواقع وتطبيقات تُساعد الناس في إنجاز المزيد من الأعمال، لذا فإن تيو سعيد بالمضي قدما عكس ذلك الاتجاه. ويقول: "تقليدياً، تتعلق التقنيات بتحسين الكفاءة والفعالية، وفعل المزيد من المهام والانشغال بها باستمرار. والهدوء هو العكس تماماً"، مضيفاً: "يتعلق الأمر في الحقيقة بإيجاد الوئام والهدوء في هذا العالم المشغول باضطراد".
هواية من المراهقة
بالنسبة لتيو، كانت شركة "كالم" فكرة تراوده بشكل أو بآخر منذ كان عمره 14 عاما، عندما بدأ بالتأمل والتفكر. يقول تيو:"كنت مهتماً على الدوام بعلم النفس والتطور البشري". كان تيو يحرص بشدة في عمر المراهقة على القراءة في مواضيع مثل تطوير الذاكرة وإدخال تحسينات على التركيز والإبداع. "كنت أعتقد، منذ ذلك الوقت، بأنه ينبغي توفير ذلك على الانترنت. ينبغي أن تكون قادراً على زيارة مواقع على الانترنت تُعلّمك فنون الاسترخاء أو ترشدك بخصوص الوسائل الذهنية".
ما لم يتصوره تيو آنذاك هو حجم الثورة التي أحدثتها أجهزة الهواتف النقالة. يقول: "لكن التوقيت هو أهم شيء". عندما أسس شركة "كالم" عام 2012، وضع تيو تصورا لها كموقع على الانترنت. وبعد مرور سنة، انتقلت الشركة إلى الهواتف النقالة عبر تطبيق لهذه الأجهزة. يقول: "في الحقيقة، أعتقد أن هذا هو أحد أسباب نجاح 'كالم' عند كثير من الناس"، مضيفاً: "يمكن استخدام التطبيق بسهولة وفي أي مكان، ونحن نحمل معنا دوماً هواتفنا النقالة".
من الواضح أن تيو قد أصاب في اختياره، إذ أصبح يستخدم تطبيق "كالم" ستة ملايين شخص، ومرت الشركة بثلاث جولات من التمويل بلغ مجموعها 1.5 مليون دولار أمريكي. لا يفصح تيو عن أرقام محددة، لكنه يقول إنها "تدر إيرادات تصل إلى ملايين الدولارات الأمريكية، سنوياً".
رحلة طويلة
لم تسر الأمور على نفس المنوال لشركة "كالم" بالنسبة لتيو.
ومن خلال شهرته ونجاحه المفاجيء بفضل موقع " الصفحة الرئيسية بمليون دولار"، تراجعت أولوية جميع الأفكار المتعلقة بإطلاق موقع للتأمل والتفكر على الانترنت وجرى استبدالها بأفكار جديدة تتعلق بالثراء السريع. يقول تيو: "حقيقة نجاح الفكرة خلال أربعة أشهر وكسب المليون دولار قاداني نحو مسار مختلف. كنت متشبعاً بالثقة والأفكار، ونسيت نوعاً ما الأمر الذي طالما نال اهتمامي حقاً."
يقول إنه بدأ يفكر "بأسلوب مختلف"، مما قاده إلى عدد من المشاريع التي "لم يُكتب لها التوفيق حقاً." بدأ تيو بمشروع "بيكسيلوتو"، وهي فكرة مشابهة لموقع "الصفحة الرئيسية بمليون دولار" لبيع مساحات إعلانية. ثم جرب "بوب جام"، وهو موقع للتواصل الاجتماعي يهدف إلى تبادل مواد مضحكة. ثم جرّب موقع يحمل اسم "مليون شخص"، المشابه لمشروعه الناجح الأول، ولكن باستخدام الصور بدلا من الإعلانات.
لم ينجح أي منها بالشكل الذي كان يأمله. في نهاية المطاف، شق تيو طريقه إلى سان فرانسيسكو. التقى هناك بمايكل بيرتش، صديقه ومواطنه البريطاني ومؤسس موقع بيبو للتواصل الاجتماعي. طلب منه بيرتش العمل لديه في شركة "مونكي إنفيرنو"، التي تقدم خدمات لشركات التكنولوجيا. ويقول تيو: "تصورت أنني سأفعل شيئا مختلفا تماما".
بي بي سي