
إنذار و دون أسباب مفهومة ، بدأ الحديث عن الرئيس القادم ينتشر في كل الصالونات ، كأن أمرًا غامضًا يُعتمل في الخفاء أو كأن النوم أصبح أضيق من أحلام من يجهلون أنهم لا يستعجلون غير خيبة آمالهم !!
و سواء كان هذا الحديث سابقا لأوانه أو متأخرا عنه ، فإن ما تتخبط فيه الناس اليوم ، أقرب إلى السخرية و العبثية منه إلى أي شيء آخر :
ـ ما زالت موريتانيا بخير ..
ـ ما زالت بها ضوابط ، قد تَخرُجُ عن سكتها من حين لآخر ، لكنها ما زالت شامخة بعناد !!
ـ و رغم ما عَرَفَته في العقود الأخيرة من هزات عنيفة و ارتدادات متلاحقة ، ما زالت بوصلتُها تتجه إلى الشمال (جِهَة القلب) !!
و لأن "المصائب التي لا تقتلنا تزيدنا صلابة" ، على ما سيحدث اليوم ، أن يكون رسالة واضحة لمن يعملون على حرق المراحل في اتجاهات لم تكن !!
لا بد لموريتانيا اليوم أن تخرج من مستنقع الفساد المعشش في كل مفاصلها و في عقول كل أبنائها ..
هذه هي معركة كل وفي لموريتانيا اليوم ..
هي أولوية كل معركة وطنية .
و لا أضيف إليها قضية التعليم و لا الصحة و لا قضية الأجانب لأنها كلها أمور مرتبطة بالفساد :
ـ لا يمكن إصلاح التعليم من دون ميزانية كافية و تسيير محكم ..
ـ لا يمكن حل مشكلة الأجانب و هي تجارة عابرة للقارات يعيش على كذبة محاربتها آلاف المفسدين ..
# أما تكليف أبطال الفساد بثورة محاربته ، فهي عين السخرية من عقول الناس و أي إصلاح لا يبدأ بمعاقبة المفسدين ، سيظل مجرد رسالة تشجيع على مزيد من الفساد و الفوضى ..
لا علم لي اليوم بأي مسؤول سامي في الدولة لا يكفي بيته وحده لإدانته بالفساد ؛ أقول إدانته لا اتهامه . أما إذا تجاوزنا بيت سكنه ، فلا يمكن أن نتكلم عن غير الحرابة . و لا أنفي الاستثناءات ، لكنني أعتبرها رتوشا لا تستحق الذكر ..
المؤكد الأوحد الآن يا هؤلاء ، و هو ما نتمناه و نؤيده و نسعى له ، أن الرئيس القادم (سواء كان "قادما" من آديس آبابا أو من كواليس معارك 2029) ، سيكون حتما إما من رحم المؤسسة العسكرية أو شخصية مدنية وازنة ، كاملة التوازن و النضج و المسؤولية ، من أكفاء أبناء الإدارة المجربين ، المدركين لأهمية الحضور البارز للجيش في واجهة المشهد السياسي الوطني !!
و أهمية احتلال الجيش و الأمن لواجهة المشهد ، لم يخلقها الطغيان و لا منطق التحكم الأعمى و لا إصرار العسكر على البقاء و إنما خلقتها بشاعة ارتزاق أعداء الوطن من مناصري طوائف التفرقة و أطماع المتاجرين بكل المقدسات ، كما تفرضها الحالة الجيو سياسية في المنطقة . و الأهم من هذا و ذاك ، أنها المؤسسة المنظمة الوحيدة في البلد القادرة على فرض ما تشاء . و لن يتم القضاء على الفساد من دون قرار منها : لا يمكن لأي سلطة اليوم (على الأقل) ، أن تتخذ قرارا جادا بمحاربة الفساد من دون أمر مباشر أو غير مباشر من المؤسسة العسكرية و الأمنية . و ما زلت أؤمن بأن خيرا لم يوجد في الجيش في هذا البلد ، سيظل احتمال وجوده في هذه النخبة مقلوبة الهرم أقل بكثير .
كل معارك البقاء في هذا البلد ، تبدأ اليوم بحصار من يطرحون شروط انتمائهم على الوطن و فرض احترام القوانين على الجميع و عدم الرضوخ لأي ابتزاز من قبل من لا يستحقون غير التسكع على أرصفة التشرد و الارتزاق :
هذه الدوامة العالقة بنا في متاهة إرث مختلق لا يقبل أصحابه بأي حل و لا يلتزمون بأي اتفاق ، تحتاج نظاما كامل الشرعية ، يقود دبلوماسيته فريق متكامل الكفاءات و الاختصاصات و التألق ، بعيدا من مستوى هذه الفرقة المسرحية الناشئة التي لا تفرق بين الكوميديا و التهريج ..
نظاما كامل الشرعية و الكفاءة ، يسند ظهره إلى مؤسسة عسكرية و أمنية مؤتمنة و فوق كل الشبهات ، يسكت الجميع إذا قالت "لا" !!
لقد بدأ البعض يفسر تَعَرُّضَ و اندفاعَ بعض صغار العقول ، بالاستعداد لإعلان الترشح للانتخابات القادمة !!
و من عمق هوس التَّعرض و الخفة ، بدأ هؤلاء يتخبطون في منزلقات التأكيد بالنفي و النفي بالتأكيد ، في انتظار إشارة من أعلَى (لن تأتي أبدًا) ، للقفز في مستنقع الهاوية !!
لكن الأكيد اليوم هو أن الانتخابات القادمة ، لن تستجيب لمقاسات من لا يجعل الحرب على الفساد على رأس أولوياته .. الحرب على الفساد المالي و الإداري و السياسي و الإعلامي و الأخلاقي و الاجتماعي .. حرب على الفساد تُثبِّتُ بأوتاد العدل و المساواة كلَّ ضوابط الأمن و الاستقرار ..
لن يستطيع أي رئيس قادم أن يصل إلى الكرسي من دون وعد حقيقي و صادق و كامل الآليات ، بمحاربة الفساد و إبعاد المفسدين ..
هذا ما سيجعل الانتخابات القادمة في منتهى الصعوبة و التعقيد ، عكس ما يعتقده الكثيرون ، لأن من يحاول تجاوز هذا الأمر ، سيُدخلُ البلدَ في أزمة أحادية المخرج ، هو آخر من يتمناها !!
و تقول القاعدة الاجتماعية إن تجريم الجميع هو عدم تجريم أي أحد : على من يعتمدون على هذا الخلط للنجاة مما ألحقوا بالبلد من فساد أن يفهموا أنهم واهمون !!
ما نرجوه الآن ، هو أن تكون النخبة الراشدة واعية لاختلاف الظروف و انشطار ذرة المجتمع ، بما يكفي لتفادي ما تنتجه التوقعات من مطبات لا تصنعها القراءات المتشائمة !!
لقد تغير كل شيء في البلد إلا أساليب الحكم ، في وقت يتفق فيه الجميع على حتمية فرضية قانون الجاذبية الجديد : "إما أن تتغير و إما أن تُغيَّر" ..
ما نراه في موريتانيا اليوم ، غير مطمئن و ما نسمعه في بلد بلا أسرار ، أقل ما يمكن أن يوصف به ، أنه مؤسف :
لا يبدو أن "البعض" مقتنع بضرورة التغيير و لا يبدو أنهم مستسلمون لإلزامية قاعدة التغير ، بما يجعلهم في صراع مع الزمن قبل الشعب . و الصراع مع الزمن يحتاج عقولا أكبر !!
أقل ما يمكن السكوت عليه اليوم ، من قبل الجميع ، هو إيقاف استنزاف المال العام فورا و نهائيا و عدم تكريم المفسدين و التخلي عن فكرة الدعاية و التلاعب بعقول المواطنين .
و إذا كان ما زال من بيننا من يؤمن مثل عزيز ، بأن لا مستحيل في موريتانيا ، تلك قصة أخرى لا نقول عنها سوى أن أفضل من يتكلم عنها يبقى لسان حال عزيز !!
أيها الرئيس القادم ،
سأهديك كنزا ، من أروع ما تركه المتنبي و أبدع ما أنتجه العقل البشري :
"وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ عيبًا
كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَـامِ"
فانتبه لعيوبك قبل عيوب الوطن : التاريخ لم يعرف قط شعبا خائنا !!
سيدي علي بلعمش