قصة الطفلة فاطمة التي فقدت أبويها بحادث في وقت واحد(قصة مأساوية)

أحد, 31/03/2024 - 18:39

كلما مررت بتلك القرية الوادعة أو قرأت قصة حزينة أو شاهدتها ,تذكرت مأساة الطفلة فاطمة وشقيقها مصطفى..لذلك أحب أن أعيد نشر قصتهما علّها تخفف عني ما أشعر به من حزن وألم بسبب مأساتهما ,كان الله في عونهما.

...........................

 

فاطمة ابنة العشر سنوات طفلة قروية موريتانية...

تسكن هي وأخوها مصطفى في بيت عمهما في قرية تقع قرب طريق الامل بين العاصمة ومدينة بو تلميت ...

عمها رجل طيب ..أكبر من والدها باثني عشرة سنة...لكنه أصبح قليل الحركة , ضعيف الجسم...بسبب المرض.

منذ وفاة والدَيْ فاطمة قبل سنة ونصف في حادث سيارة انتقلت مع اخيها لبيت العم وأقاما مع زوجته وأبنائها...في جو لم يألفوه وحياة لم يجربوها من قبل.

فاطمة تفهم معنى الموت وتدرك أنه يعني استحالة العودة مرة أخرى الى الدنيا..لكن ما لا تدركه ـ أو على الاصح ـ ما لا تحب أن تدركه أن ارتباطها بوالديها قد انتهى , ولم يبقَ منه الا ذكريات.. أو بقايا أشياء كانت لأمها ما زالت تعتني بها وتحافظ عليها..

أخوها الصغير مصطفى ذي الست سنوات كان بالنسبة لها كل شيء...لا تكاد تفارقه..تحنو عليه..تلاطفه..تحكي له عن حب أمه...تهدهده...تنام بجانبه ...تحتضنه..

عندما لاحظ العم وزوجته أن الطفلة فاطمة تتسلل في بعض الاوقات الخطرة الى المقبرة القريبة من القرية لزيارة والديها منعاها من ذلك..وهدداها وتوعداها خوفا وحرصا منهما عليها...

لكنها مع ذلك ظلت تزورهما , وإن بصورة أقل وبشكل سري....

حين تجلس أمام قبر أمها تنهمر دموعها في صمت ..ولربما حدثتها همسا :

أمي ...ماما...مصطفى يسلم عليك...لم يعد شقيا كما كان..أصبح هادئا ومهذبا..أعتقد أنه اصبح أنضج وأعقل أو لعله كان يفعل ما يفعل تدللا عليك....ثم تبتسم نصف ابتسامة باكية حزينة....معتقدة ان تلك الابتسامة ربما تخفف عن أمها ألمَ دموعها.

ماما... سلمي على أبي ...قولي له : إني أحبه.. أحبه..افتقده كثيرا..

مشتاقة اليه...نعم...إنني أفتقده , خاصة أيام الاعياد...حين يجلس كل ولد...كل بنت في حضن أبيه..ويشعر بتلك السعادة التي تغمره تسري في جسده ..ضاحكا...مستبشرا...فرحا... ساعتها أفتقده أكثر يا أمي...ولكي أعوض أخي مصطفى عن تلك السعادة التي افتقَدَها ,أقوم بضمه الى صدري ..وأبكي بحرقة , لكن بصمت حتى لا يؤثر بكائي على مزاجه ونفسيته..فلم يبقَ لي في هذا الوجود سواه ...ولم يبقَ له سوايَ.....أرى في ابتسامته ابتسامتك يا أمي ..أشم فيه رائحتك...

في أحد المساءات الخريفية من تلك السنة...وبُعيد نزول مطر قوي انشغل فيه أهل القرية بأخبار السيول وخسائرها...تسللت فاطمة الى المقبرة ...

وفور وصولها نادت أمها وهي في غاية الفرح ......ماما..انظري ماذا أحضرت لك...

ماما ـ وكما وعدتك ـ لقد أحضرت اليوم معي أخي مصطفى ...انظري إليه...لقد ألبسته ملابس نظيفة غسلتها بيدي لكي يقابلك بها...هي آخر ملابس اشتريتيها له بمناسبة عيد الأضحى...اخترتُ ان يقابلك بها اليوم...هل تذكرين يا أمي...؟؟

ثم خاطبت أخاها مصطفى...مصطفى: "كلِّمْ" ماما ...سلِّمْ عليها...هي تسمعك....تحبك....ستحضر لك الحلوى التي تحب..

لقد وعدتني بذلك....

ثم تركت بقية الحديث للغة الدموع..فانسابت بغزارة على خديها ...وقبل أن يهبط ظلام الليل , أخذت بيد أخيها مصطفى.....ثم عادت...

فاطمة اليوم طفلة محطمة القلب...حزينة النفس....تبدو أكبر من عمرها بعشر سنوات...

تتحمل مسؤولية أخيها...وتحمل على كاهلها جبلا من الاحزان خلّفه فقد والديها في وقت واحد ..وهي ما تزال طفلة صغيرة...

نعمة وجود الوالدين من أعظم النعم , وأعظم المِنن...ولا يقدرها الا مَن فقد تلك النعمة.

 

قصة بقلم الكاتب/محمد محمود محمد الامين

  

         

بحث