لم يكن ولد هيداله ..يتوقع أبدا أن ذلك الضابط الانطوائي الكتوم والذي تعود لسنوات طويلة هز الرأس بشكل عمودي سيكون قائد الانقلاب العسكري الذي أطاح به في 12/12/1984،وربما أيضا لم يكن الذين صفقوا بحرارة لولد الطايع،الضابط النحيل الوديع،ربما لم يكن طلابه في الترارزة يتصورون أن ’’ سيدي’’ سيكون واحدا من أكثر الرؤساء الموريتانيين دموية،وإثارة.
هذا بحسب خصومه،أما بحسب أنصاره ,,فمعاوية من مثله سيد ..ومن مثله للعلا قادنا’’
ربما لو واصل معاوية ولد سيدي أحمد الطايع،مساره في تدريس الأطفال في مدرسة النباغية،لكان بإمكانه اليوم أن يكون أحد الشخصيات المهمة في تاريخ ’’ التعليم الموريتاني’’ لكن الرجل اختار التوجه نحو البزة العسكرية…ومع بداية 1958 كان ولد الطايع جنديا متدربا في فرنسا ليعود لاحقا سنة 1961 ويعين قائدا مساعدا لوحدة الجيش الموريتاني في النعمة
ولد – الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الشخصية الأكثر إثارة في التاريخ الموريتاني – في أطار 1936، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في ’’ثانوية كبلاني ’’ في روصو،لم يحصل ولد التعليم على الباكلوريا،لكنه وجد فرصة منتصف الخمسينيات للحصول على وظيفة معلم.
ظل ولد الطايع بعيدا عن الأضواء،وخلال الفترات القليلة التي كان يظهر فيها،مرافقا عسكريا لرئيس الجمهورية المختار ولد داداه،لم يكن ولد الطايع يخرج عن ’’ لبروتوكول’’
نجى ولد الطايع من محاولة اغتيال سنة 1961 في النعمة نفذها مقربون من حركة النهضة وجيش التحرير التابع للمرحوم أحمدو ولد حرمه ولد ببانه،ليكون بعد ذلك أحد القضاة الذين أصدروا عليهم حكما بالإعدام،خلال محاكمة غير اعتيادية، في المقر الحالي لوزارة العدل ترأسها الأمين العام لوزارة الدفاع محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود وضمت قائد الأركان امبارك ولد بونه مختار والرئيس السابق المصطفى ولد محمد السالك إضافة إلى معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.
ظل لسنوات طويلة عنصرا عسكريا غامضا،انطوائيا أكثر من اللازم،وبحسب سائقه الشخصي لسنوات كثيرة قبل وصوله إلى السلطة فلم يكن لولد الطايع صديق غير جهاز إذاعي صغير وعلبة من ’’سجائر دنهيل’’ وكتاب ضخم،كان ولد الطايع قارئا نهما للغة الفرنسية،لكنه في المقابل يكاد يكون ’’عديم الثقافة العربية أو الإسلامية’’
التحق المقدم معاوية ولد سيدي أحمد الطايع بمجموعة انقلاب 10/ يوليو1978،حيث حصل على رتبة قائد مساعد لأركان الجيش الوطني،وظل العنصر الأكثر تنفيذا والأبعد عن الأضواء، وحتى عندما واجه الموت بقوة، خلال لقاء – غير ودي في مكتبه – مع الرائد محمد ولد عبد القادر كادير أثناء كوماندوز 1981 لم يكن ولد الطايع من العناصر التي حاولت ’’إفشال الانقلاب’’
أصبح ولد الطايع قائدا لأركان الجيش الوطني ورئيسا للوزراء،منذ سنوات الثمانين الأولى،ويصف رئيس الدولة حيئنذ المقدم محمد خونه ولد هيداله صديقه الذي انقلب عليه بأنه كان شخصا مطيعا ومساندا بشكل دائم لما يقترحه الرئيس.
لكن هنالك رواء الستار كان الفرنسيون وبقوة يعدون الشاب معاوية ولد الطايع لإدارة فترة ما بعد ولد هيداله،وبانقلاب أبيض قرر ولد الطايع إزاحة ولد هيدالة،أثناء سفره إلى قمة إفريقية،ثم قرر لاحقا الزج به في سجن قاس استمر إلى 28 نوفمبر 1988 .
بدأ ولد الطايع مسيرته السياسية بإطلاق سراح عشرات السجناء السياسيين من البعثيين والناصريين الذين زج بهم ولد هيداله في السجون القاسية التي كان يشرف عليها قادة الانقلاب العسكري ممثلين في كل من ’’معاوية ولد الطايع واعل ولد محمد فال’’
كما استطاع ولد الطايع وبقوة،التخلص من جميع أعضاء اللجنة العسكرية واحدا تلو الآخر،من خلال إسناد مهام غير عسكرية إليهم،وإبعاد بعضهم إلى ’’ السفارات في الخارج’’
غير أن سنوات قليلة كانت كفيلة بأن يبدأ ولد الطايع الكتابة بمداد أحمر،ليسجل عدة مذابح كبيرة في حق الزنوج الموريتانيين،إضافة إلى تصفيات ضخمة في صفوف البعثيين الموريتانيين.
وتتواصل الأزمات السياسية في نهاية الثمانينات،فقد قرر ولد الطايع الضرب بيد من حديد ضد من يعارضه،كما قرر أيضا مواجهة جيرانه السنغاليين بالقوة،لتنشب حرب ضروس،دفع الموريتانيون ثمنها من أمنهم ومالهم وأرواح أبنائهم ووحدتهم الوطنية.
بعد سقوط جدار برلين،وإعلان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران ربط الدعم الفرنسي للمستعمرات السابقة بإقرار ديمقراطية تعددية،أعلن ولد الطايع خلع البزة العسكرية،وإقرار دستور جديد وفتح الباب أمام الأحزاب السياسية وحرية الصحافة،وكذا إقرار انتخابات رئاسية تعددية، مكنته من العودة إلى السلطة بنسبة كبيرة، ومن ذلك التاريخ بدأت سجون ولد الطايع تستقبل أفواجا متعددة من السياسيين ومن كل التشكلات المعارضة.
شهدت فترة ولد الطايع كثيرا من القرارات والمواقف الإيجابية والسلبية،فعلى المستوى السياسي لم يولي ولد الطايع أي اهتمام بترتيب البيت الداخلي ولا بالحوار مع المعارضة،فقد كان على الجميع أن يلتحق بالحزب الجمهوري أو السير خلفه مباشرة من أجل ’’فهم ما يقولون’’
وعلى صعيد العلاقات الخارجية،ظل التوتر العلامة الأبرز بين ولد الطايع وعدد من الدول العربية، وبالخصوص العراق وليبيا،فيما كانت علاقاته وطيدة وقوية بالفرنسيين،دون أن تمر ببعض الفتور، قابله ولد الطايع بإقالة سريعة لجميع
المستشارين العسكريين الفرنسيين في موريتانيا،ليتجه صوب الولايات المتحدة الأمريكية،ولم يكن هنالك طريق أقصر من البوابة الصهيونية،حيث فتح ولد الطايع باب علاقة مشؤومة مع الكيان البغيض.
ظل ولد الطايع طيلة فترة حكمة يرفض بشكل نهائي ترخيص أي حزب للإسلاميين الموريتانيين،لكنه أيضا لم يبخل عليهم،بفترات اعتقال مرير،وصلت في سنواته الأخيرة حد الاستهداف الكامل والسعي إلى القضاء بشكل نهائي على كل مظهر من ’’مظاهر الإسلامية’’
لكن ولد الطايع يعتبر الرئيس الموريتاني الوحيد الذي اهتم بمشاريع’’ تنموية’’ فقد أعلن عن برنامج وطني لمحو الأمية،وشهدت فترته تدفقا هائلا للتمويلات، وإن الكثير يشكك في أنها صرفت إلى ’’مستحقيها’’
حكم ولد الطايع موريتانيا عشرين سنة كاملة،وهي بحسب معارضيه ’’عشرينية الفساد على كل المستويات’’ قبل أن يغادر السلطة ’’مكرها جدا’’ خلال رحلة تعزية إلى المملكة العربية السعودية،لقد قرر كبير حراس الرئيس، الإطاحة به، ولإخراج إعلامي مناسب كان على مدير الأمن اعل ولد محمد فال أن يظهر باعتباره ’’ رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية’’
وفي أول ظهور إعلامي بدا ولد الطايع منهار وغير قادر على التعبير كما لو كانت ’’ الكارثة أخرست لسانه’’ وبعد فترة غير طويلة من التجوال، حصل على ’’حق اللجوء’’ في دولة قطر،حيث يعيش في عزلة تامة،بعيدا عن ’’ الماء والكهرباء’’
وفي ’’ قصر متواضع ’’ في قطر يعيش ولد الطايع ’’منفاه الاضطراري’’ لايحب ولا يرغب في لقاء أي مسؤول موريتاني،كما لايرغب إطلاقا في لقاء أي مواطن،كل الذين حاولوا الاتصال به من أفراد الجالية الموريتانية قوبلوا بصخرة رفضه التام
وفي المرات القليلة التي يظهر فيها ولد الطايع،كان حريصا على أن يبعد عنه ’’ الموريتانيين الذين يسعون إلى السلام عليه’’.
ولد الطايع ..عاد إلى الواجهة من خلال ’’فلتات لسان ’’ متواصلة لبعض الوزراء،وبعض الصحفيين،ولايزال كثيرا من المواطنين ’’يبكون على زمنه الفضي’’ ففي عهده كثر ’’ المال’’ لكن آخرين يعتبرون أن عهده كان معولا في ’’هدم البلد’’
وبين الرأيين يبقى الرجل الذي يخطو بقوة إلى عقده الثامن،أحد الأسماء الأكثر إثارة ..بحسب الكثيرين ..كانت يداه ملطختين بالدماء،وبحسب آخرين فقد كانتا ,,غمامتان تمطران ذهبا.
القافلة