هذه قصة أغرب من الخيال تدل - مع الاسف الشديد - على ما آلت إليه العقليات والنفوس من ضعف في الدين والعقيدة ,حيث تقول القصة التي يؤكد راويها أنها صحيحة وموثوقة ,وإن كان قد مرّ عليها ردحٌ من الزمن , تقول ان شقيقين كان لديهما حمار يعتمدان عليه في امورهما المعيشية ونقل البضائع من قرية الى أخرى ومن سوق إلى آخر ,وقد أحباه كثيرا حتى صار جزءا من حياتهما ,وتعلقت قلوبهما به حتى أصبح في منزلة أخ لهما لتعوُّدهما عليه ولأنه مصدر رزقهما الوحيد.
كانا لا يأكلان إلا إذا وضعا له الاكل ,وكان ينام إلى جانبهما ,حتى أنهما أعطياه اسما يدل على قوة صبره وتحمله مهما كانت الظروف قاسية ,هو "ابو الصبر".
*وفي أحد ألايام ,وأثناء سفرهما في الصحراء سقط الحمار "ونفَق" ,فحزن الاخوان عليه حزنا شديدا ودفناه بشكل لائق وجلسا يبكيان على قبره بكاءً مرا، لأنه كان مصدر رزقهما ,وبفقده كأنهما فقدا عزيزا عليهما ,وكان كل مَن يمر بجانبهما يلاحظ هذا المشهد فيحزن على المسكينين ويسألهما عن المرحوم مَن هو ,فيجيبانه بأنه المرحوم "أبو الصبر" وأنه كان بالنسبة لهما ,الخير والبركة ,فهو يقضي الحوائج ويرفع الاثقال ويوصل البعيد، كل ذلك في صبر وصمت.
فكان الناس يحسبون انهما يتكلمان عن شيخ جليل او وليّ صالح فيشاركونهما البكاء والحزن.
وشيئاً فشيئاً صار البعض يتبرع ببعض المال لهما ومرت الايام فوضعا خيمة على القبر وزادت التبرعات ,فبَنَيا حجرة مكان الخيمة وأصبح الناس يزورون الموقع ويقرءون الفاتحة على روح العبد الصالح الشيخ الجليل "ابو الصبر" وصار المكان مزارا يقصده الناس من مختلف الاماكن , حتى أصبح لمزار "ابو الصبر" كرامات ومعجزات يتحدث عنها الجميع ,فهو يفك السحر ويزوج العانس ويغني الفقير ويشفي المريض ويحل كل المشاكل التي لا حل لها، فيأتي الزوار ويقدمون النذور والتبرعات طمعاً في أن يفك الولي الصالح عقدتهم ويقضيّ حاجاتهم.
وهكذا أصبح الاخوان من الاغنياء وصارا يجمعان الاموال التي تبرع بها الناس السذج ويتقاسمانها بينهما ,وفي يوم من الايام اختلفا على تقسيم المال ,فغضب احدهما وارتجف وقال :
والله لأطلبنّ من الشيخ الصالح ابو الصبر (مشيرا الى القبر) ان ينتقم منك ويريك غضبه ويسترجع حقي منك.
ضحك اخوه وقال :- ايُّ شيخ صالح تعني يا أخي؟
أنت نسيت أننا دفناه معا!.
العبرة من هذه القصة أنه : كم من هذه المزارات الوهمية موجودة في عالمنا العربي والاسلامي وفي بلادنا خاصة وانها تثبت براعتنا في خلق الاوهام وتخليد ذكرى ابطال وأولياء لا وجود لهم في الواقع.
وأن مثل هذه الأباطيل والدجل ,تسببت في انحراف الكثيرين عن جادة الصواب ,بحيث فسدت عقائدهم ,فهم يطلبون المال والزواج وقضاء الحاجات من أشياء قد تكون وهمية ,حتى أن بعض مَن يقرءون الآن هذه القصة ـ من الجنسين ـ خاصة من بعض بناتنا وأخواتنا ,لم يقرءوها الا من أجل معرفة مكان وحكاية هذا الصالح لعلهم يتمكنون من زيارته والتبرك به وقضاء حاجاتهم على يديه.
أعدّ هذه القصة للنشر وهذّبها وصحح أخطاءها النحوية والاملائية طاقم "موقع الجواهر".