قصة حزينة.. الفقر يمنع تلميذا من مرافقة زملائه في رحلة مدرسية

اثنين, 31/10/2022 - 12:04

ذات يوم وأنا بقسم الابتدائي وعدتنا المعلمة برحلة مخصصة للتلاميذ الأوائل بالمدرسة وستكون هذه الرحلة لزيارة المطار كي نرى الطائرة لأول مرة.. وكنت حينها قد تحصلت على المرتبة الأولى على مستوى المدرسه بمعدل 09.50 .. اجتمعنا صبيحة الجمعة أمام المدرسة كي نذهب للرحلة!! وكنت على يقين انني من الذاهبين كوني الأول .
جاءت الحافلة.. كانت تحمل عددا محدودا من الأماكن لا يتسع للجميع!! حينها اختارت المعلمة التلاميذ الذين كانوا يلبسون أحسن لباس ويحملون حقائب بها جميع مستلزمات السفر من أكل ومشروبات وقطع الحلوى وفواكه!! وغضت علينا البصر كوننا فقراء لم نلبس الجديد ونحمل أكلنا المتواضع في أكياس سوداء!!
ووعدتنا بالرحلة القادمة ستكون مخصصة للذين لم يذهبوا اليوم!!
في تلك الصبيحة طعنت أشد طعنة!! لم أستطع القدرة على تقبل الصدمة الغير متوقعة أبدا !! وبقيت صامت صامد أنتظر في تراجع معلمتي لقرارها الخاطئ!!
ولكن الحافلة أقلعت وكل الأطفال الذين بها كانوا في فرح وسرور!!
مكثت غير بعيد عن باب مدرستنا.. وبكيت نعم بكيت بكاءً لم ابكي مثله قط .
كرهت معلمتي .. ولعنت المصنع الذي سرّح أبي من العمل وتركنا فقراء !! .. حزنت على  كيسي الأسود الذي وضعت فيه أمي الخبز وحبات البندورة والخيار وساندويشة الزعتر .. واتذكر اني لعنت صاحب الحافلة الذي لم يتسع لنا المكان بعربته اللئيمة!! كرهت ذلك الصباح بقوة!!
حملت أثقالي المنهكة.. لملمت أجزائي المبعثرة.. وقررت العودة الى البيت كي أصرخ بحرية أكثر..
وفجأة تذكرت مبلغ الرحلة الزهيد وكيف سأخبر أبي أني لم أذهب. وأن المبلغ قد ذهب مع الذاهبين!! كيف سأخبر أمي أن ازعاجاتي والحاحاتي لها بالأمس وحماسي الكبير قد اغتيل واغتصب!!
بقيت في حيرة لمدة.. ثم فكرت في كذبة أن صاحب الحافلة حين قدومه الينا اصطدم بشاحنة ومات!! ولأجل ذلك لم نذهب..
وانصرفت!!

يومها وأنا بسنّ العاشرة تعلّمت و في ساعة زمن واحدة  أنّ تميّزي العلمي دون مال لن يُجلسني حتّى على مقعد حافلة و أنّ الفقير في مجتمعاتنا الحالية سواءا العربية أو الغربية محكوم عليه بالوصافة و أن يأتي ثانيا بعد الغني بغض النّظر عن مجال التنافس هو في المركز الثاني ، اسمها "الرأسمالية" يا صديقي و أنت بلا "رأس مال".

من مذكرات الدكتور وجدي السيد
-------
العبرة:
١- لنحاول ما استطعنا أن لا نقلل من أهمية أي شخص حتى ولو كان طفلا نظنه لا يفقه ما نقوم به.. فالشعور بالإهانة والغبن لا يسقط أبدا بالتقادم!
٢- مهم فعلا أن نسعى للتميز علميا.. لكن السعي لتحسين الوضع المادي لا يقل أهمية، خصوصا في عالم اليوم الذي لا مكان فيه للضعفاء إلا على الهوامش.

 

من صفحة الاستاذة/ مغلاها منت الليلي