المخاطر بشتى أنواعها ، تحاصر اليوم شبه المنطقة .
و من تُوكَلُ إليهم مهمةُ البحث عن الحلول هم الآن على رأس مؤججي نيرانها ..
طبول الحرب تُدَقُّ في كل اتجاه من حولنا و الخاسر المؤكد ، إن قامت و إن تأجلت ، سيكون حتما من يستهزئ بدورنا فيها ..
نحن في موريتانيا لا ندخل الحروب بمنطق الربح و الخسارة، لأننا لا نستبيح دم المسلم لأي سبب ،
لأننا نضع الكرامة الإنسانية فوق كل اعتبار ،
لأننا لسنا قوة توسعية و لا استعمارية ..
لهذا ، ندرك جيدا أن مواقفنا ستظل الأغرب في منطق هذا الزمن ..
# مواقفنا من كل جيراننا مواقف دينية ،
# مواقف أخلاقية ،
# مواقف إنسانية ،
# مواقف الفاتح الأكبر ابن تاشفين
و كل مواقفهم منا مواقف سياسية و اقتصادية و عسكرية ، مبنية كلها على منطق موازين القوة و الربح و الخسارة و السمك و الفوسفات و الشواطئ الأطلسية ..
هذا التباين المسكوت عنه ، هو مصدر ضعف مواقفنا في قراءاتهم و هو مصدر قوة موقفنا الثابت ، (المتخلف حد السذاجة في المفاهيم الدبلوماسية المعاصرة)..
ـ حين واجهنا قوات المستعمر المدججة بالسلاح ، طليقة الأيادي في ارتكاب ما تريد من جرائم ، بلا حساب و لا عقاب ، لم نكن نراهن على توازن القوة و لم نكن نشك في قدرتنا على الانتصار ، رغم الهوة الشاسعة في اختلاف الوسائل..
كنا حينها نتذكر انطلاق كتيبة تيدرة من ها هنا ..
ـ حين دحرنا المطالب المغربية (مقلوبة هرم النطق و التاريخ) ، لم نكن نواجه الدبلوماسية المغربية بل كنا نواجه العالم العربي بأكمله ، ما عدا الشقيقة تونس . و كنا واثقين أكثر من الانتصار ، كما حصل بالضبط ..
ـ حين دخلنا حرب الصحراء التي كانت كل نخبتنا تعتبرها حربا أهلية بامتياز ، لم نكن نواجه ثوار البوليساريو ، بل كنا نواجه الجزائر و روسيا و كوبا و بقية المجرة القطبية ..
ـ حين دخلنا الحرب مع السنغال كنا نعرف أننا نواجه إسرائيل و فرنسا و "الجارة" غير "الشقيقة"، المتخبطة في مصطلحات التوسع العمياء .
و يخطئ من يعتقد أن الجيش الموريتاني هزم في حرب الصحراء ، بل هُزمت الحرب الأهلية !!
ـ كانت حرب الصحراء خاسرة بمعان *لم تتناولها الأقلام من قبل* :
ـ كانت حربا خاسرة ، لأنها كانت خطيئة ، تنازلنا فيها عن كل مبادئنا ..
ـ كانت حربا خاسرة ، لأننا كنا نحارب قوة لا تملك خيارا آخر ..
ـ كانت حربا خاسرة لأننا كنا "نعتمد" فيها على حليف ذكي ، كان يريد قتل عصفورين بحجر واحد ، أي احتلال الصحراء و موريتانيا معا بعد إنهاك الجميع *(11 ألف جندي مغربي كانوا يتواجدون على الأراضي الموريتانية يوم انقلاب 10 يوليو 1978*) !!
ـ كانت حربا خاسرة لأن ولد داداه نسي أن فرنسا ما كان يمكن أن تنسى تأميم "ميفيرما" و الخروج من منظومة الفرنك الإفريقي (CFA) ، بإنشاء العملة الوطنية (الأوقية)..
إن سكوتنا اليوم ، على ما يحدث على حدودنا مع الجارة مالي و الشقيقة المغرب ، من قتل و تنكيل بمواطنينا الأبرياء ، لأسباب تعرف كل منهما أنها واهية ، سيجد الردود التاريخية المؤلمة ، المُعبِّرة عن عمق رؤيتنا أكثر من ميلنا إلى بساطة و سذاجة الانتقام ، الممكن جدا لو أردنا !!
ما نستخلصه اليوم ، من خلال الدروس التاريخية العظيمة ، هو أن علينا أن لا ننزلق أبدًا عن شرعية الحرب بغض النظر عن أي عامل آخر ، لنكون حتما المنتصرين فيها ؛ لأن طُرق النصر عند من يتوكلون على الله و من يتوكلون على "القوة" لن تلتقي أبدًا ..
ـ نحن لا ندخل الحروب لأننا لم نخرجها منذ سقوط الأندلس..
ـ لأن من يعرفون الحروب هم آخر من يدخلها ..
ـ لأن من يعتقدون أنها تُكسبُ بالوسائل هم أكثر من يخسرها ..
حين نعيد اليوم ، شريط ذكريات حرب الصحراء ، بتفاصيل العارفين بدقائق مجرياتها ، لا بد أن نفهم أن أسطورة شكسبير "عُطيلْ" ، المترجمة إلى الروسية تحت عنوان "مافر" (المور) أي الموريتاني ، لم تكن مجرد نسج خيال ..
و كل المهتمين بالتاريخ اليوم ، يعتبرون القائد العظيم يوسف بن تاشفين (التيدري) ، أكبر فاتح إسلامي بعد خالد بن الوليد .
و من يسرق حقيقة أكبر فاتح بعد ابن الوليد ، لا تستبعدوا أن يسرق جبال الهامالايا) !!
لا شيء يعبر عن أسطورية إنسان هذه الأرض المُستمرَّة ، أكثر من حديث الشيخ العظيم سيدي محمد ولد سيدي بادي (أطال الله عمره) عن عشائه مع البطل فياه ولد المعيوف (تغمده الله بواسع رحمته) ، المكلف حينها بمهمة حماية جبهة الشمال ، بسيارتين إحداهما متعطلة !!؟
إما أن سردية هذا الحدث كانت أكبر و أعمق من مخيلة نخبة البلد و هو أمر عادي لأنها كانت فعلا نقلا أسطوريا لحدث أسطوري يصعب احتواؤه . و إما أنها كانت أمرًا عاديا عندهم ، بما يجعل النخبة أكثر أسطورية !!؟
من حق الجميع من حولنا ، أن يخافوا من قيام دولة المور القادمة حتما .
و على من لا يفهمون التاريخ و لا يهتمون بغير ما يمكن اكتسابه من نهش ما يواليهم من أضلعه ، أن يفهموا أن تهديد موريتانيا عقوق لا يغتفر و مهمة مستحيلة ، يومها أشعث أغبر ..
كل المعطيات على الأرض تؤكد اليوم ، أن حل مشكلة الصحراء لن يكون مهما حصل ، على أيادي أبطال داحس و الغبراء ..
و حين يفهم الجميع أن دبلوماسية الصمت كانت أعمق و أن السؤال الأهم لم يُطرح قط ، سيكون الحل مسألة وقت ..
فاكتبوا ، اكتبوا على كل جدران حدودها الموالية لكم "*هنا ، تنتهي حدود موريتانيا الغبية*"
*لكن ، تذكروا دائما ، أن الأشياء لا تنتهي إلا بنهاياتها !!
سيدي علي بلعمش