المنافسة على الوظائف والمناصب في الدولة محصورة تقريبا في نفس الأسماء العائلية، مع أنه لا يمكن وصفها بالمنافسة، وإنما بعملية توزيع، تقتصر على محيط ضيق من المفسدين والفاسدين، وأولاد وبنات الأسر ذات النفوذ والمكانة التقليدية، بموازاة تهميش وإقصاء أبناء الطبقات الأخرى. الكل يدرك أن التعيينات تخضع للترضيات السياسية، فالولوج إلى الوظائف والترقية في المناصب داخل الإدارة تحددهما الاعتبارات الشخصية المتعلقة بالانتماءات الجهوية والقبلية، وليس من خلال القدرات والكفاءة والمؤهلات. حتى المسابقات لا تخضع بالضرورة لقواعد شفافة وشروط صارمة. ظاهرة التعيينات الاعتباطية هذه تسارعت وتيرتها في الفترة الأخيرة، نظرا لبدء النظام بالتحضير فعليا للانتخابات الرئاسية القادمة. ومع ضعف الإنجازات الملموسة التي تقتصر على وضع الحجر الأساس لبعض المشاريع التي ليس لها تأثير على التنمية أو تدشين بعض الساحات العمومية، يسعى النظام إلى سد الثغرة، عن طريق توزيع الصفقات العمومية والتعيينات لكسب ولاء المفسدين والوجهاء التقليديين، الذين يتمتعون، حسب اعتقاده، بنفوذ محلي، وبقدرة على تعبئة الناخبين، خاصة في موريتانيا الأعماق.
ظاهرة انعدام تكافؤ الفرص تؤجج إحباط الشباب، خاصة أصحاب الشهادات، الذين يعتبرون الدراسة سُلَّما اجتماعيا، ويرون آخرين من غير أصحاب الكفاءات أو ذوي الشهادات المزورة يتقلبون في المناصب الإدارية، مما يدفع لإحتقان كبير سيؤدي لا محالة إلى انفجار لا يمكن توقع نتائجه. كما أن تدوير النخب الفاسدة في المناصب الإستراتيجية هو ما يفسر تفشي الفساد في الإدارة وضعف أداءها، وعدم تجاوبها مع تطلعات المواطنين، وسوء تسيير المشاريع التنموية، والبطء في تنفيذها، وضعف متابعة وتقييم السياسات العامة.
الحقيقة أن وضعية البلد أصبحت مترهلة، خاصة بعد تعيين بعض رموز العشرية في مناصب عليا في هرم السلطة، وتكليفهم بالتحكم في صناعة القرار، على مستوى الحكومة وفي مقدرات الشعب، مع أنهم برهنوا على فشلهم طيلة العشرية. مما يفسر المستوى المضطرد والمتسارع للتعيينات المبنية على المعايير السياسية، والهدر المستمر والمتعاظم لموارد البلاد. يكاد يجمع الشارع الموريتاني على أن البلد يتم تسييره على أساس الارتجالية والزبونية والمحسوبية. فالآمال التي تولدت من الوعود التي تعهد بها النظام سنة 2019 تبدلت إلى إحساس بالإحباط لدى كثير من المواطنين. حتى نسبة النمو التي شهدتها البلاد لم ينتفع بخيراتها إلا الأقوياء والمتنفذون.
عمليا، لقد أصبح من الضروري تشكيل لجنة مكونة من ذوي الخبرات المشهود لهم بالنزاهة والاستقامة، وتكليفها بتفتيش سوابق وخلفيات، بما فيها الأكاديمية والمهنية، كل من يقترح تعيينهم في مجلس الوزراء. جميع الملفات يجب أن تخضع لهذه اللجنة المختصة و المستقلة، حيث أنها لا تتبع للوزارات، ولا تمثل الحكومة، و تتمتع بصلاحيات واسعة واستقلالية مالية، مع اعطاءها موارد هامة تسمح لها بامكانية التحقيق في ملفات من سيتم انتدابهم أو تعيينهم، والتأكد من مطابقتها للمعايير والمساطر الإدارية الجاري بها العمل.
محمد المنير