يبدو أن هناك قناعة بأن إدارة قطاع عام بهذه الضخامة (تجاوز عدد موظفي الحكومة نصف مليون) بات مستحيلا، لكنها لاتملك ترف الوقت لتفكيك تلك المؤسسات الضخمة وتحويلها شيئا فشيئا إلى شركات عامة ثم بيعها للقطاع الخاص، أملا في تطوير أدائها من ناحية وتشجيع العمالة الوطنية للانخراط داخلها من ناحية أخرى، فضلا عن التخلص من مسؤوليتها السياسية التي باتت عبئا على السلطتين.
السر الخطير الذي ترفض الحكومة البوح به حتى الآن هو أن القطاعات الحكومية أصبحت في مواجهة بعضها، سواء أكان ذلك على صعيد المسؤولين داخل القطاع الواحد (الوزارات أو المؤسسات) أو حتى على الصعيد نفسه فيما بين القطاعات، والسبب كما يتسرب حاليا إصرار بعض أولئك على شل تلك القطاعات دعما لبعض أطراف الصراع ممن تمردوا على توجهات الدولة، الأمر الذي يفسر التأخر في حسم المناصب المعلقة حتى الآن.
في وقت سابق تمكنت الحكومة مع الوقت من تفكيك القطاع الرياضي وإعادة ترتيبه من جديد ليعود لخدمة الدولة بعدما تحول إلى بنية خارج إطارها يستخدمها بعض أصحاب النفوذ إداريا وماليا لتحريك الساحة الانتخابية والسياسية في أوقات سابقة، وقد بلغ بهم الأمر في غفلة من الزمن أن حولوها مع الوقت إلى جسم معاد للدولة، ولولا نزع سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد طيب الله ثراه، بعض عناصرها كما ينزع الشوك واحدة واحدة، لما تعافت وعادت إلى طبيعتها.
لم يعد هناك خيار من المواجهة وأعتقد أنها المعركة الأخيرة لتعود البلاد كما كانت جسما واحدا متناسقا يعمل على مشروع وطني وحيد تبلور على يد القيادة السياسية، لكن هذا الخيار بحاجة إلى توفير البيئة المناسبة بعيدا عن المجاملات والسكوت عن بعض التصرفات، سواء داخل السلطة التشريعية أو غيرها من السلطات، ومن أهم أسباب المواجهة الحرص على خلق توازن بين القطاعين العام والخاص بتوزيع المؤسسات القائمة بينهما مع تطويرها.
إعادة النظر في الخيارات الانتخابية حتى نحصل على برلمان يمثل النهج الوطني الذي طال غيابه لأكثر من عقدين من الزمن، ربما يكون سببا في تخليص الدولة من قبضة الفساد، خاصة أن تجربة العشرين عاما الماضية بتوسيع القاعدة الانتخابية لم تكن على قدر التوقعات، وقد أدخلت تلك التجربة الكثير من الثقافات المتخلفة داخل التجربة الديموقراطية التي للأسف لم تكن محصنة تجاهها عندما ازداد بيع الأصوات ونقلها.
تنظيم الساحة الإعلامية من جديد وتحديدا شبكات التواصل الاجتماعي سبب مهم، وليس عيبا أن يكون لدينا مؤسسات خاصة بهذه الشبكات كما يحدث في بلدان كثيرة، بينها الصين التي تمكنت فعليا من إعادة تنظيمها لتكون جزءا من مشروعها الوطني للتنمية، فقد كان انفلات تلك الشبكات جزءا مساعدا من أجزاء عدة أدت إلى الفوضى داخل الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، استنادا إلى أن بعض القائمين عليها لايمتلكون القدرات اللازمة لتسييرها، وقد تحول بعضها إلى أداة ابتزاز.
الكاتب الكويتي ناصر العبدلي
ماذا نفعل بنصف مليون..؟!