الطريقة الغزوانية للوصول إلى السلطة(ج13)

خميس, 29/10/2020 - 21:19

28 – الكبريت

هنالك سر غامض فى السلطة، لم نجد له تفسيرا. منهم من يقول “الكاريزما”، ولم نجد لها تعريفا قابلا للتطبيق على أرض الواقع، بحيث يمكن من تحديد الشخص الذي لديه الكاريزما من غيره.

يقولون فلان لديه كاريزما، وفلان ليست لديه كاريزما. ولم يقولوا لنا ما هي هذه الكاريزما. وجدناهم يفرقون – أحيانا – بين كاريزما السلطة، وكاريزما المعارضة، وكاريزما القيادة، مع أنواع أخرى من الكاريزما، منها اللون، والجنس، وما زاد ذلك الأمرَ علينا إلا تعقيدا.

يتحدث أهل الفن عن ذلك الكبريت، ويبحث عنه أهل الرياضة. جميع المشاهير فى العالم يبحثون عن ذلك الشيء الغامض الذي يجعل الناس يحجزون لهم مكانا فى القلوب، ويحسبون لهم ألف حساب. الكاريزما فى السياسة هي ذلك الكبريت الأحمر الذي يذكر ولا يرى. منهم من يأخذه بالوراثة، ومنهم من يأخذه بالسلاح أو بالمال أو بالجاه، ومنهم من يأخذه بمجرد الصدفة؛ من غير سبب واضح، هبة من الله.

بي نظير بوتو حصلت عليها بالوراثة، وحصل عليها هيتلر بالخطابة وبالسلاح، وديغول وبونابارت بالشجاعة. وكانت كاريزما أسامة بن لادن هي الأقوى والأكثر إزعاجا للدول والحكومات، فى العصر الحديث.

لم نجد فى موريتانيا أشخاصا لديهم من الكاريزما ما يكفي، ليكونوا مثالا توضيحيا للمسألة، والحكم على شخص بأن لديه كاريزما، حكم انطباعي ذاتي، يختلف اختلافا بيَّنا من شخص لآخر. كما أن مؤشر الكاريزما غير مستقر؛ يصعد ويهبط مثل مؤشرات السوق، وفق عوامل خفية لدى كل شخص.

29 – الثور

يعاني الرؤساء فى موريتانيا دائما – فى نهاية حكمهم – من اضطرابات فى الرؤية؛ يصابون بعمى الألوان، وبالغثيان، وكذا بعقدة الملك من السيد (Le Cid).

وهنالك سر غامض فى اللون الأحمر، يتعلق بجاذبيته الشديدة على الثور فى حالة الغضب، أو عندما يشعر بالخطر على حياته؛ ربما لأن اللون الأحمر، هو لون الدم.

يقول الكاتب الراحل حبيب ولد محفوظ، إن نيرون نجح فى كسب ود الشعب بداية حكمه عندما أعطاه الكوليزى والسرك لإلهائه عن الواقع. ونجح ولد الطايع فى كسب الشعبية حين وهب الانتخابات؛ فصفقوا له، وزغردوا ملء حناجرهم، فطال حكمه.

عندما طلب ولد عبد العزيز تعديل الدستور من أجل إلغاء مجلس الشيوخ، ظننا أنه يريد المأمورية الثالثة، لكنه عندما طلب تغيير النشيد، والعلم، كان ذلك من أعراض الإصابة بفوبيا اللون الأحمر. لأن القماش الذي يخدع لاعبُ الكوريدا به الثور لونه أحمر؛ فينطح الثور قطعة القماش بكامل قوته، وعندها ينتهز اللاعب الفرصة ليطعنه فى الخلف، ويصفق الشعب، وهكذا حتى يرديه قتيلا.

 كان ملوك أسبانيا مولعين بلعبة الكوريدا، يستمتعون بقتل الثور، يرون أنفسهم فيه.

لم نجد من يتعاطف مع الثور المقتول تحت هتاف وتصفيق الجماهير، وأصوات الطبول والمزامير، إلا نزار قباني فى قصيدة الثور :

الثور

برغْمِ النزيف الذي يعتريهِ..

برغمِ السهام الدفينةِ فيهِ..

يظلُّ القتيلُ على ما به..

أجلَّ .. وأكبرَ .. من قاتليه

وعندما صفق الناس للمجلس العسكري، وصبوا جام غضبهم على ولد الطايع، لم يجد من يتضامن معه إلا الكاتب محمد سالم ولد مولود، حين بعث برسالة تضامنية تأبينية إلى صديقه الراحل حبيب ولد محفوظ، Lettre à Habib قال له فيها، إن مسلسل الانقلابات الذي كتب عنه 1991 عاد من جديد، وإن الحروف الأبجدية للغة الفرنسية صارت لا تكفي لأسماء اللجان العسكرية المتتالية : CMRN، CMSN، CMTN، CMUN،CMVN ، CMWN، CMXN،CMYN ، CMZN .

الحرف الأول يعني “اللجنة”، والثاني “العسكرية”، والرابع “الوطنية”، وتلك هي الثوابت. وبقي متغير واحد لوصف اللجنة هو الحرف الثالث.

وإن اللجنة التي جاءت بعده صار اسمها CMJD ، وكان من المفترض أن يكون اسمها CMTN، فجاءوا بالعدالة والديمقراطية بدل الانتقال الوطني  Tansition Nationale الذي خصوا به الحكومة، من أجل التدليس. وكان ذلك يعني أننا كنا مقبلين حينها على سبعة انقلابات متتالية . هذا بدون احتساب الانقلابات الفاشلة، وتلك التي أجهضت قبل الدخول فى طور التنفيذ.

كان انقلاب عزيز على سيدي هو الرابع، وجاء بعد الرسالة إلى حبيب، ويقابله – فى لعبة الحروف والأرقام – حرف U، وتبقى من حروف الفرنسية خمسة هي : V – W – X – Y – Z

لكن عزيز أفسد علينا اللعبة ، عندما أتى بـ HC المجلس الأعلى، بدلا من CMUN.

ولا عبرة فى اللغة الفرنسية للفرق بين اللجنة comité والمجلس conseil، فكلاهما يبدأ بالحرف C.

أما الانقلابات التي جاءت فى ثوب مدني انتخابي مزور أو شفاف، فتلك لم تجد من يدرسها ويحصيها لكثرتها وتداخلها مع الانقلابات العسكرية، حتى إن البقر تشابه علينا، وأصبحنا لا نفرق بين ما هو عسكري منها، وما هو مدني صرف. كما أننا، لا نعرف أي نظام أبجدي يناسبها؛ هل هو : ا ب ت ث، أم : أبجد هوز حطي كلمن صعفض ؟

وإذا جربنا أبُجَدْ مع انقلاب 92 لولد الطايع على ولد داداه، وهَوَزْ مع انقلابه على اشبيه 96، ثم حَطَيْ مع هيدالة 2003، وكلِمنْ لسيدي على داداه 2007، وصعفضْ لعزيز على مسعود 2009، أيام الباء التي قيل إنها تطير، حين تشابه البقر علينا، وأصبحنا لا ندري أيا من مسعود، أو ولد داداه، أو ولد محمد فال، أو بوعماتو، أو زيدان، أو ولد الشيخ عبد الله، أو صالح ولد حنن، أوصار إبراهيما، كان هو الثور الأبيض.

وإذا قابلنا قرست مع عزيز أيضا على بيرام 2014، وثخذ لغزواني على بيرام 2019؛ فإننا لن نجد من أهل أسرار الحروف والأرقام، من يقول لنا من سيكون ظغش 2024.

نتائج الانتخابات بين المعارضة والنظام، بين (داداه، اشبيه، هيدالة، مسعود، بيرام) من جهة، و(معاوية، سيد، عزيز، غزواني) من جهة أخرى، تعطي صورة عن توزيع الألوان فى لعبة الغابة بين ثيران المعارضة وأسود النظام.
وقال ولد مولود أيضا فى رسالته إلى حبيب، إن أصحاب الطبول الكبيرة قتلوا الثور، وجاءوا بثور آخر، لكن الثور لا يستطيع البوح بسر اللون الأحمر، لبقية الثيران، لأنه لن يغادر الحلبة، وهو على قيد الحياة.

30 – الغاز

يتبع أن والله...
عن ريم يفيد
للاطلاع على الحلقات الماضية يرجى الضغط هنا

  

         

بحث