15 – الرقعة
الحلقة الثالثة من المسلسل الجديد للانقلابات فى موريتانيا، جاءت مع التعيينات الأخيرة لقيادات أركان الجيوش التي أدخلت لاعبين جددا فى الرقعة، ويحسب لهم ألف حساب، فى تحديد مقتضيات الحكم.
أقوى هذه التعديلات رمزية ودلالة هو تعيين الفريق محمد ولد مكت على قيادة الأركان العامة للجيوش خلفا للفريق برور؛ إذ ينتمي كل منهما – بطبيعته وأسلوبه الخاص – إلى إحدى الطريقتين المؤديتين إلى السلطة. فالأول أقرب إلى المدرسة الطائعية الغزوانية، ويتقاسم الثاني العديد من ميزات المدرسة العزيزية الهيدالية، بحكم تفوقه الدراسي ومساره المهني. ويأتي تعيينه على الحرس بمثابة الجلوس على مقعد البدلاء.
فرنسا لا تحب أمثاله من الضباط الذين لا يستندون إلى مرجعية غربية، وكانت غير مطمئنة تماما على قيادته لأركان الجيوش.
كما أن دخول الجنرال حمادة ولد بيدة فى وسط الميدان بتوليه قيادة القوات الخاصة، يضيف عاملا جديدا فى المعادلة، اعتبارا لحاضنته الاجتماعية القوية، وبحكم وعيه ودرايته بإكراهات التعامل مع العواصم الغربية؛ بالإضافة إلى كونه يعتبر وريثا لوالده الشيخ ولد بيدة الذي كان مرجعية لدى الجيش، فى العدل والاستقامة.
ولد هيدالة كان مزعجا للغرب عندما نفذ الحدود؛ حدود القتل والجلد وقطع يد السارق، جهارا نهارا على رؤوس الأشهاد. وكان ولد عبد العزيز مزعجا، عندما أرسل الجرافات إلى مقر سفارة إسرائيل.
فرنسا لا تريد من يبايعها على أنه ابن عم حر، بل تريد من يبايعها على الولاء بكونه عبدا قنا، لا ابن عم حر.
فرنسا تريد التعادل، وبقاء الأمور على حالها بشأن اللغة الفرنسية. وهي مرتاحة للنتيجة، ما دام الأطفال يتلقون العلوم بـ X و Y بدلا من السين والصاد.
16 – الكرسي
قلنا إن الطريقة التي وصل بها ولد الغزواني إلى الحكم، هي نفس الطريقة التي وصل بها ولد الطايع؛ كلاهما جاء بدعم من فرنسا. ولنا أن نتساءل الآن، بعد عام كامل من جلوسه على كرسي الرئاسة عن الطريقة التي يمارس بها الحكم بشكل فعلي. وإلى أي من هيدالة أو معاوية هي أقرب؟ أم أن ولد الغزواني لديه طريقة جديدة فى الحكم، تبدو توفيقية، هادئة وناعمة؟
ونقول أيضا إن نظام الحكم فى موريتانيا، نظام عسكري بوليسي فى ثياب مدنية.
لم ندخل مع ولد الغزواني فى نظام مختلف عن نظام ولد عبد العزيز، فاللعبة هي هي، مع اختلاف بسيط فى الأدوار. المأمورية الأولى لولد الغزواني لا تعدو كونها – فى الجوهر – مأمورية ثالثة لولد عبد العزيز؛ خرجت من يده فى اللحظة الأخيرة، وسقطت فى يد صديقه. صديق يديرها بأسلوب الطبخ على النار الهادئة.
كان ولد عبد العزيز قد صفَّى – من أجل المأمورية – جميع ديون المأمورية الثانية. صفى قضية بيرام، وولد امخيطير، وصفى العلاقة مع قطر، وقلم أظافر الإسلاميين، وملف الزنوج، والعلاقة مع السنغال بشأن تقاسم الغاز، وترك مسألة اللغة العربية، وديون الشيخ الرضى، لمأموريته الثالثة، على أمل العودة من جديد، بعد استراحة قصيرة خارج القصر الرئاسي.
وعندما جلس ولد الغزواني على الكرسي، وسمع العزف والطبول والزغاريد؛ أعجبه الحال، وقرر البقاء طويلا. أو ربما أراد له ذلك رجال القبيلة، قبيلة الجيش، وهم من قرروا إخراج ولد عبد العزيز من اللعبة، فقد طال عهده بالجيش، وآن له أن يعتزل اللعبة العسكرية فى دوري الأبطال، ويلتحق إن شاء بالدور المدني (سيويل)، إن كان يجيد وضع الكمامة.
لكن الكلام – فى النهاية – عن الجيش، كلام ظني؛ والكلام على الظن محض الكذب. الجيش صندوق أسود، لا يُعرف ما يجري بداخله، والواضح من أمره، أنه هو المالك الفعلي للسلطة، لكننا لا ندري كيف يمارسها على أرض الواقع.
لم يحرك ولد الغزواني – حتى الآن – ساكنا فى قضية اللغة العربية، إلا أنه استقبل ماكرون فى القصر الذي بناه عزيز، وألقى خطابه باللغة الفرنسية، ثأرا لها من اللغة العربية فى قصر البرلمان.
أما قضية الشيخ الرضى، فتأخذ طريقها إلى الحل – على نار هادئة – بتكليف القضاء بتصفية الديون والممتلكات بشكل قانوني، وفق إجراءات طويلة.
جميع الرؤساء عندما يجلسون على كرسي الرئاسة، يصبحون كالغواني يغرهن الثناء. وعندما يميد بهم الكرسي ويغادرون القصر، يصبحون كالمطلقات والمتقاعدين الجدد، يستقبلون من أمرهم ما استدبروا، يرددون القصص القديمة، نادمين على ما صنعوا، وهم على ما لم يفعلوا أندم.
17 – الطبل
يتبع أن شاء الله...
عن/ ريم فييد
لمتابعة الحلقة الماضية يرجي الضغط هنا