كتب محمد المنير :
393000 فرصة عمل : من أين أتى رئيس الجمهورية بهذا الرقم الفلكي، الكافي للقضاء نهائيا على البطالة في بلادنا ؟
393000 فرصة عمل، رقم ضخم جدا، لا يمكن تجاهله، مقارنة باليد العاملة في بلادنا، التي تقدر تقريبا بأقل من مليون عامل، حيث إن 3/4 من السكان هم من الشباب الأقل من 18 سنة. وبما أن نسبة البطالة تقدر بحوالي %30، أي 350 ألف عاطل عن العمل، فإن ولوج 393000 آلاف عامل جديد إلى سوق العمل هو بمثابة القضاء التام على البطالة.
كيف لحدث تاريخي، حتى على مستوى العالم، أن يمر دون الزخم الإعلامي الذي يليق بحجمه، ودون أن تكون لهذه الثورة الإصلاحية انعكاسات واضحة على القطاعات النشطة التي استطاعت استيعاب هذا العدد الهائل من العاملين الجدد.
لذلك، نطالب الحكومة ومستشارين الرئيس، وإدارة حملة المرشح ولد الغزواني نشر تقرير مفصل، يعتمد على إحصاءات وقواعد بيانات موثوقة، لكي يتمكن الرأي العام الوطني والدولي من التحقق من هذا الانجاز غير المسبوق، وللإجابة على التساؤلات التالية :
1- ما هي المنهجية التي تم اتباعها من أجل تحديد هذا العدد الدقيق من فرص العمل ؟
2- ما هي الأسس العلمية والمؤشرات والمعايير والآليات التي تستند عليها هذه الإحصاءات ؟
3- هل هي وظائف طويلة الأمد ومستدامة ؟
4- هل هي في القطاع العام أم الخاص، أم مجرد أنشطة مدرة للدخل ؟
5- ما هو عدد وطبيعة القطاعات الاقتصادية التي استفادت من هذه الفرص ؟
6- ما هي الفئات العمرية، وعدد الذكور والإناث الذين استفادوا من هذه الطفرة في الوظائف؟
7- هل هم من العاطلين عن العمل منذ فترة طويلة أم من الخريجين الجدد وأصحاب الشهادات ؟
8- ماهي بالتحديد المناطق المستفيدة بالولاية والمقاطعة والبلدية ؟
9- ما هي تكلفة كل هذه الوظائف، للتأكد من أنها ليست مرتفعة وأن السياسة المتبعة لخلق فرص العمل فعالة؟
10- هل توجد سياسة توظيف وطنية ؟
11- هل توجد سياسة وطنية للشباب ؟
12- هل توجد سياسة تنموية وطنية شاملة ؟
الحقيقة أن من زود رئيس الجمهورية بهذه الأرقام الخرافية يستخف به وبقدرة الشعب على تصديق هذه الدعاية الموجهة للاستهلاك الإعلامي، في جو التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة. من الواضح أن هناك جوا من المزايدة لدى الوزراء في الخطابات المفرطة في عدم الواقعية، وفي الارقام التي تفتقر إلى الاحتراف والمهنية. فأرقام التوظيف التي يقدمها أعضاء الحكومة، بين الفينة والأخرى، مذهلة، ولا يمكن تصديقها، ومن المستحيل التحقق منها. لذلك فهي لا تساعد في إضفاء المصداقية على مجهود الحكومة في تنفيذ تعهدات رئيس الجمهورية بخلق مئات الآلاف من فرص العمل.
أما بالنسبة لمئات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، فهذه الأرقام لا تعني لهم شيئا، لأن الواقع الذي يعيشون ويعانون منه هو البطالة الجماعية التي تأكلهم وتغرق مئات الآلاف منهم في حالة من اليأس، وعدم الإيمان بالمستقبل، إذ يعتقدون أن مستقبلهم لم يعد في هذا البلد، إلى درجة أنهم يحاولون بكل الوسائل الفرار من البلاد، بما في ذلك المجازفة في أخطر طرق الهجرة. لذلك فإن أسطع مؤشر على عدم مصداقية ادعاءات الوزراء هو تضاعف عدد المهاجرين من الشباب الموريتاني.
إن غياب آفاق مشجعة، مع انعدام الأمل، في ظل عدم الاستجابة لتوقعات الشباب هو الذي يؤدي إلى تفاقم الغضب الشعبي، وهو أمر ملموس بالفعل، وقد يجر البلاد إلى الفوضى. وليست الأرقام المتفائلة التي يزود بها الوزراء والمستشارون رئيس الجمهورية هي التي ستعيد إحياء الأمل المفقود.