روّجت الحكومة الموريتانية بعد زيارة رسمية لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي: إيزيلا فونير لاين الأسبوع الماضي عبر مواقع رسمية ومنصات اخبارية تابعة لها، أن الطرف الأوروبي يسعى لعقد شراكات جديدة مرتبطة بالغاز والهيدروجين الأخضر وتشغيل الشباب، وهذا ما نتج عنه الدعم الذي وصل إلى 300 ملايين يورو مقدمة من الاتحاد الأوروبي، و 200 ملايين يورو من المملكة الإسبانية، لكن بعد زيارة وفد أوروبي جديد للعاصمة نواكشوط ، مختص في مجال الهجرة واللاجئين ، اتضح أن النظام الموريتاني لم يكن صادقا مع المواطنين، حيث أن الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي واسبانيا كانت تضع موريتانيا "كمنطقة استقبال وتوطين للمهاجرين" و رُزيمات اليوروهات التي قبضها النّظام في المقابل ، هي مثابة رشى أوروبية تستفيد منها أطراف معيّنة في النظام الموريتاني ، معروف أن الاتحاد الأوروبي منذ عقود يعاني من ظاهرة الهجرة بسبب نهبه لثروات أفريقيا ودعمه للأنظمة الدكتاتورية و يبحث عن دولة ضحية "تحرس حدوده" ويلقي عليها ثقل هذا الملف الخطير، وقد حاول مع عدة بلدان عديدة دون نتيجة بسب رفضها أن تصبح كلب حراسة للأوروبيين.
يبدو أنهم تمكنوا من إقناع موريتانيا بواسطة عشرات الملايين اليوروهات لتولي هذه المهمة، علينا أن ندرك انعكاسات هذه الاتفاقية على المستوى الوطني وتهديدها المباشر للأمن القومي، إن موريتانيا دولة محورية في منطقة الساحل الأفريقي، تعاني منذ سنوات من تداعيات الأزمة السياسية والأمنية في بلدان الساحل الأفريقي، وقد توّلت استقبال آلاف اللاجئين والنازحين من مالي، وبوركينا فاسو، كما تحتضن مئات الآلاف من المهاجرين من دوّل إفريقية مختلفة وبعد تصاعد العنف ضد المدنيين بسبب القتال في الشرق المالي، فاقم الوضع الإنساني في موريتانيا، مما دفع وزير التنمية الموريتاني أن يطلق نداء استغاثة للأمم المتحدة طلبا للدعم المالي، قائلا إن موريتانيا غير قادرة على تلبية حاجات هولاء النازحين من الطواراق العرب والمواطنين الماليين الذين جاءوا بأعداد هائلة.
موريتانيا أصبحت بلد استقبال للمهاجرين ونقطة إرجاع لكل مهاجر فشل في الوصول إلى الشواطئ الاسبانية، هذا يعني أن ملفات هؤلاء اللاجئين يجب أن يتم النّظر فيها من الجانب الموريتاني، كما تتولى موريتانيا مسؤولية إعادتهم إلى بلدانهم أو توطنيهم على طريقة (اتفاقية المملكة المتحدة و رواندا) كما كان مقرراً في اتفاقية مشابهة كان الاتحاد الأوروبي يعمل عليها مع الجانب التونسي وثارت جدلا واسعاً لدى المنظمات الحقوقية الدولية، دراسة ملفات اللاجئين يتطلب الكثير من الامكانيات المادية والوقت وهو ما يطلق عليه بلد الاستقبال، هذه الخطوة ستقضي على اليد العاملة المحلّية التي تعاني أصلا من مزاحمة كبيرة من العمالة الرخيصة، فضلا عن التداعيات السياسية الأقليمية ، بمعنى أن خلق مجتمعات جديدة غير مستقرة بأعداد كبيرة داخل موريتانيا تنتمي لدوّل الجوار وتتابع ما يجري فيها، سيدفعها للتحرك الدائم في الشارع الموريتاني طردا مع ما يحدث في بلدانهم الأصلية، نحن ندرك جيدا وضع دوّل الساحل، حيث الانقلابات العسكرية، وتعليق الانتخابات الرئاسية، والإرهاب فضلا عن الحروب ذات البُعد العرقي، هذه المشاكل الاقليمية ستجعل من موريتانيا بلدا مضطربا بشكل دائم وغير مستقر، أو ساحة للتحرك السياسي والاحتجاجات الشعبية المرتبطة بالوضع الاقليمي.
بقلم سلطان البان