العلامة حماه الله بن سيدي بوبكّر
(عيونُ المَگفَ) إنسانُ العيونِ :: بها ما شئتَ من كلِ الفنون
بين العيون وباقي نجوع الحوض الغربي كان الحي من أولاد الناصر، يتنقل ابتغاء الكلأ وانتجاعا للمراعي.
وفي ضواحي لعيون سنة 1914 ولد العلامة حماه الله لأسرة علم وصلاح وتقوى.
وهو العلامة الحافظ حماه الله ولد أحمد ارشق ولد سيدي بوبكر ولد محمد ولد أعمر طالب الناصري.
نشأ على ما ينشأ عليه ناشئ الفتيان من قومه ، حفظ القرآن الكريم وتعلم على ذويه مبادئ الفقه وعلوم العربية.
التحق بمحظرة (أم گفّه) 60 كيلومترا جنوب مدينة تمبدغه ، فدرس على أهل الطالب إبراهيم ، وأخذ عن العالمين الجليلين سيدي محمد ولد أحمد معلوم ومحمد محمود ولد الحاج أحمد ، فأكمل خليلا وتوسع في علوم الفقة ومكث هناك ثلاث سنين تضلع خلالها من شتى العلوم.
ثم انتقل إلى ارگيبه فمكث سنة في محاظرها يزداد من العلم بعزم ماضٍ وهمة عالية ، ثم انتقل إلى محظرة ولاته ثم إلى محظرة العلامة محمد محمود ولد الحاج أحمد قرب تمبدغه، وقد تعمق عنده في دراسة أمهات كتب المذهب المالكي.
استمرت رحلته العلمية من سنة 1933 حتى 1938، ثم عاد إلى قومه وأسس محظرته فانهال عليه الطلاب.
لزم العلامة القاضي صالح ولد الرشيد حتى وفاته 1949 حيث أوصى له قبل وفاته بالإفتاء وحكم له بالأهلية للقضاء.
كان من أبرز قضاة المنطقة من لعيون إلى كوبني إلى حدود تمبدغه.
كثر طلاب محظرته وكتب ما يزيد على 300 إجازة في القرآن الكريم وتخرج على يديه ستة وعشرون عالما من المشهود لهم بالفقه على رأسهم القاضى بِيّه ولد سليمان ومحمدو ولد حنَنّ ومحمد ولد صالح ولد الرشيد وسيدي محمد ولد اعل بوه ومحمد ولد سيدي ألمين واعل ولد اعلِ وأبناء سيدي ولد ارمظان وأبناء ألمين..
وكان العلامة حماه الله أول من تقري من قبيلته (أولاد الناصر) وشجع علي التقري حيث كان من مؤسسي قرية أگجَرْتْ (40 كيلومترا من مدينة العيون على طريق الأمل) التي وضع حجرها الأساس سنة 1942، وتم بناؤها سنة 1956 وجلب لها فسيل النخل (التّنقل) من تيشيت وتجگجة وبنيت فيها مدرسة سنة 1961 ، وكانت ثاني حاضرة في مقاطعة لعيون بعد مدينة لعيون تقام بها الجمعة.
ويعتبر العلامة حماه الله من أئمة المذهب المالكي في المنتبذ القصي ، مع الحفظ والمهارة في علوم القرءا والأدب ومعرفة الأنساب.
له الكثير من الأنظام في الفقه وضبط القرآن ونظم في العروض ونظم في التوسل والكثير من الأشعار وله رسائل وإفادات في علم الأنساب.
وصفه العلامة الشيخ محمد سالم ولد عدود بمالك العصر.
ومتعه الله بحواسه فكان يطالع الكتب من دون الحاجة للنظارات على الرغم من تقدمه في العمر كما كان مولعا بالمطالعة فقد قفّف جميع الكتب التي في مكتبته.
وظل رحمه الله يمارس التدريس والإفتاء حتى وفاته يوم 26 مارس سنة 2006.
رثاه الكثير من الشعراء والأدباء.
يقول الأستاذ محمدن ولد سيدي المختار في رثائه:
من لي بدمع إذا كفكفته انسكبا :: أم كيف أسلو وبحر العلم قد نضبا
كأنهم حين واروه الثرى سدلوا :: أستار ليل بهيم بدره احتجبا
أبيت في أرق حيران ذا كمد :: أقلب الطرف أرعى الأفق والشهبا
ما زلت أحبس أنفاسي لداهية :: كبرى وشر عظيم سار مرتقبا
أقول في وله والعين باكية :: مصعدا زفرتي من مهجتي لهبا
تالله ما بقيت للعلم باقية :: الله أكبر هذا وعده اقتربا
كأننا لم نرَ البدر الأغر ولم :: نسمعه يسبك من أصدافه خطبا
كأننا ما رأينا الطود في شمم :: إلا سوى الله لم يرغب ولا لهبا
كأننا ما رأينا الشمس طلعتها :: في خطوة إذ يحوز المجد والرتبا
وفي يديه لواء الأصبحي به :: ساق الرجال يزجي خيله النجبا
إذا انبرى كاتبا في شأن داهية :: يسلم الناس كل الناس ما كتبا
إن لم نوشحه ثوب المدح كامله :: فأيسر العجز قول البعض مقتضبا
ألا لحى الله دهرا نحن فيه على :: إيذائه البر من أبنائه دأبا
من يطمئن إلى الدنيا وزينتها :: وغره الصفوة منها خاب واضطربا
إن أقبلت فادر ظهر المجن لها :: فالكيس الكيس المولي لها عقبا
عليك منا صلاة الله يا جدث :: لاح السنا منه في الآفاق وانتصبا
لا ريب كل امرئ رهن بما كسبت**يداه شط مزار القبر أو قربا
لكن يعز علينا نأيه ونرى :: من دونه الحي قفرا خاليا خربا
ولو تجرعت كأس الموت مفتديا:: حياته كنت نلت الفوز والأربا
بل ليت أعمار أهل الأرض قد جمعت :: له لتنسئه في عمره حقبا
لو كنت أعلم أن الدمع ينفعه :: بكيته ما بقيت الدهر منتخبا
حتى ترى أخت صخر أنها عييت :: وأنها تستحق اللوم والعتبا
لكنني في عظيم الأجر ذو طمع :: فقد صبرت عظيم الرزء محتسبا
مسلما لقضاء الله إن له :: في ملكه حكمة لا تنقضي عجبا
يكفيك أن رسول الله صفوته :: من خلقه من حياض الموت قد شربا
ويقول القاضي الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب في رثائه:
دموع الأسى في العين ما برحت تجري :: على نجم ذا العصر ابن سيدي أبي بكر
إمام الهدى بحر الندى منبع العلى :: منير الدجى بالذكر في وضح الفجر
على فقده تبكي العيون دموعها :: وحق لها تبكي إلى ملتقى الحشر
سقى الله أرضا غاب في ظلماتها :: غيوثا من الغفران حينا من الدهر
لقد سعدت أرض عليه تنسمت :: ونارت بنوره من كواكبها الزهر
فكم من فتاوى منه زانت نضيرها :: وسارت بها الركبان في البر والبحر
وكم جاهل نادى لشرع محمد :: ونشر علوم منه طيبة النشر
تجرعها صبرا أمر من الصبر :: فنال الذي أعيا جهابذة القطر
وأضحى عن الأشياخ بدرا مقدسا :: كأن به المقصود بيت من الشعر
"لقد فضلت ليلى على الناس مثل ما :: على ألف شهر فضلت ليلة القدر"
فليت نجوم الجو جادت بدرها :: لأنظم شعرا من جواهرها الغر
فلم أرضَ نظما من كلام منظم :: بمدح أديب دار في مخبئ الدهر
إذا ما أتى يوما عن الشرع سائل :: يجبه وإن قال الأجلة ما ندري
جوابا بنور الحق رونقه أبهى :: وأسنا من الشمس المضيئة والبدر
أيا راكبا إما عرضت فعرجن :: على قبره فيه ترى وصف ذي الشعر
ترى العلم والآداب والفضل والتقى:: ونيل المنى والعز غيبن في قبر
فتدعو له الرحمن دعوة صادق :: يجازى بها في مثل منزله القفر
ولا زال شيخنا في المحافل حافلا :: سليل به يدعى إلى منتهى الدهر
وختما على البدر المنير وآله :: صلاة تباري الريح بالمسك والعطر
ويقول الأديب بون ولد اكبيكيب:
"ما كنّ ويّاه احشامَ :: والحيَ مطلق گراهَ
واليوم انصابت لعمامه :: والحلگه ؤلصباع ؤصاهَ"
لگبيلَ كانت ميدومَ :: فالناس أكانت معلومَ
واظريوك صبحت ميتومَ :: فالعلم أمرشوف اسماهَ
من الاحكام أل مفهومَ :: والعبادة والنزاهَ
ما غاديلُ فالحكومَه :: وقت الحكم أذي معناهَ
ما يتراجع عن مكتومَ :: يسو گد أل حوشاهَ
من الاعلام أسو منهوم :: ولا يخافُ عقباهَ.
تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
كامل الود