يقول أحد المعلمين:
كنت معلما أدرّس فى مدرسة ريفية في منطقة نفزة ولاية باجة تونس وفي كل يوم كنت أرى خارج القسم جانب الشباك بنتا مسكينة وجميلة تكسوها البراءة وتبيع الخبز لأمها في الصباح ..
وقد انقطعتْ عن التعليم هذه السنة بسبب الوضع المادي لأسرتها، فلديها أربعة أخوة صغار، ووالدهم متوفى وهي تسهم مع أمها في مصاريف معيشتهم ببيع الخبز عند المدرسة..
في أحد الأيام كنت أشرح درساً في الحساب ، وبائعة الخبز تتابعني من شباك القسم وهي بالخارج ..
فسألت سؤالاً صعباً وخصصت له جائزة..
ولم يجب عنه أي تلميذ....
وما لبثت ان تفاجأت بأن بائعة الخبز تؤشر بأصبعها من خارج الشباك وتصرخ: سيدي سيدي سيدي
فأذنت لها بالإجابة ..
فأجابت.. وكانت إجابتها صحيحة..!!
منذ ذلك اليوم راهنت عليها، فتكفلت برعايتها وبكل مايلزمها من مصاريف على نفقتي ومن مرتبي القليل، وعلى قدر ما أستطيع من أمور بسيطة تساعدها على التعلم.
واتفقت مع مدير المدرسة على أن يتم اعادة تسجيلها بالمدرسة
وكانت المفاجأة في نهاية السنة عندما ظهرت نتائج الاختبارات، وكانت هي الأولى على المدرسة ..!!
وسارت على هذا النهج برعايتي وإشرافي اليومي عليها الى أن أوصلتها بفضل الله للمرحلة الثانوية ..
وهنا تم نقلي لمسقط راسي مدينة سوسة ، ولم يكن هناك هواتف في ذلك الوقت لكي أواصل متابعة أخبارها ..
وانقطعتْ صلتها بي لمدة 20 عاماً ..
وبعد ذلك الغياب صادف أن ذهبت مع صديقي الي العاصمة وكان لديه إبن يدرس بكلية الطب بتونس فطلب مني أن أرافقه للجامعة !!
وأثناء دخولي الجامعة مع صديقي مكثت بعض الوقت في الكافيتريا، فإذا بامرأة على قدر من الجمـال تحدق بي بشوق، وقد تغيرت معالم وجهها عندما رأتني، وأنا لا أدري لماذا تحدق بي بهذا التأثر؟
فسألت إبن صديقي إن كان يعرف هذه المرأة وأشرت إليها خُفية؟
فأجابني: نعم بالطبع، -بالرغم من عمرها الصغير إلا - إنها البروفيسورة التي تُدَرِّس طلاب كلية الطب .
فسألني: هل تعرفها يا عمي ..؟
قلت: لا، ولكن نظراتها لي غريبة جداً!!
وفجأة وبدون مقدمات جرت هذه المرأة نحوي و احتضنتي، وعانقتني وهي تبكي بحرقة، وبصوت لفت أنظار كل من كان بالكافتيريا !!!
وظلت تحضنني لفترة من الزمن دون مراعاة لأي اعتبار، وظن الجميع أني والدها..!
وهي تجهش بالبكاء وتقول لي : ألا تذكرني يا أستاذي ..؟
أنا البنت التي كانت حطام إنسانة، وانت صنعتَ منها إنسانة ناجحة..!!
أنا البنت التي كنتَ السبب في رجوعها للمدرسة، وصرفتَ عليها من حرِّ مالك حتى وصلتُ إلى ما وصلت إليه !!
وذلك بفضل الله ثم رعايتك وإهتمامك وموقفك الإنساني الفريد
أنا إبنتك لمياء ( بائعة الخبز )..!!!
فكدت أن أقع مغمياً عليَّ من دهشتي وشدة تأثري من جانب، وفرحي بها من جانب آخر..!
ووالله، بكيت كثيراً عندما تذكرت كيف كانت.. ؟!! وكيف أصبحت على ما هي عليه اليوم ..؟!
ثم دعتني أنا والذين معي ومجموعة من الزملاء إلى منزلها، وأخبرت أمها وإخوتها والموجودين عني، وهي تتحدث عن المعلم الإنسان ..!!! الذي ساندهم، وكان سبباً في تغيير مجرى حياتهم ..
فألقيتُ كلمة قلت فيها جملة واحدة وأنا أبكي :
لأول مرة في حياتي أشعر أني معلم وإنسان ...
#قصة_حقيقية من تونس الخضراء
من صفحة سعدنا سيدي أحمد( حدث في تونس : عندما يكون المعلم إنساناً )