في الوقت الذي تتراجع فيه قيمة بعض العُملات الأوروبيّة والدولار الأمريكي، يتباهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن عُملته الوطنيّة “الروبل” في حالةٍ مُستمرّةٍ من الصّعود حيث بلغ سِعره في البورصة العالميّة حواليّ 62 روبلًا مُقابل الدولار، رغم العُقوبات الاقتصاديّة “الشّرسة” ونفقات الحرب الأوكرانيّة الضّخمة.
وكالة “بلومبرغ” الاقتصاديّة الأمريكيّة سلّطت الأضواء (اليوم الجمعة) على السّبب الرئيسي لهذا الارتِفاع ببثّها تقريرًا نقلًا عن وكالة الطاقة الدوليّة يقول بأنّ عائدات روسيا من صادرات النفط والغاز زادت بحواليّ 20 مِليار دولار شهريًّا بسبب ارتفاع الأسعار بحواليّ 50 بالمِئة مُنذ أوائل عام 2022.
صادرات روسيا من النفط تصل إلى 8 ملايين برميل يوميًّا 20 بالمِئة منها إلى أوروبا، وتُصدّر حواليّ 155 مِليار متر مكعّب من الغاز سنويًّا إلى الاتحاد الأوروبي، أيّ ما يُعادل 45 بالمئة من احتِياجاتها، الأمر الذي يعني أن الخزينة الروسيّة باتت الأكثر استفادةً من اجتِياح القوّات الروسيّة لأوكرانيا مُنذ ما يَقرُب الثّلاثة أشهر.
من الواضح أن العُقوبات الاقتصاديّة “الشّرسة” التي فرضها الرئيس الأمريكي جو بايدن على روسيا أعطت نتائج عكسيّةً تمامًا، ولم تنجح في “تأزيم” الاقتصاد الروسي، علاوةً على كونها أحدثت انقِسامات كبيرة في صُفوف الاتحاد الأوروبي بسبب مُعارضة بعض الدّول لها مِثل المجر وبلغاريا، وألمانيا، إن كانت مُعارضة الأخيرة “مُتذبذبة” وغير حاسمة.
المفوّضية الأوروبيّة، وفي مُحاولةٍ لتَطويق هذه الانقِسامات، ولإنقاذ ماء الوجه الأمريكي، اقترحت حظرًا تدريجيًّا للنفط والغاز الروسيين، والبحث في الوقت نفسه عن مصادرٍ بديلة، سواءً باكتِشاف آبار نفط وغاز جديدة في بحر الشّمال، أو بتوليد الغاز النظيف من النفايات الغذائيّة ورفع الكميّة الإنتاجيّة (18 مِليار متر مكعّب سنويًّا حاليًّا) إلى 35 مِليار متر مكعّب بحُلول عام 2030، ولكن هذه المُقترحات تبدو غير عمليّة، ولا تُغطّي إلا 20 بالمئة من الاستِهلاك الأوروبي من الغاز الروسي.
ما نُريد استِخلاصه من كُل ما تقدّم أن الرئيس بوتين استعدّ جيّدًا فيما يبدو لمُواجهة هذه العُقوبات، وتقليص آثارها إلى الحُدود الدنيا، بينما تبيّن العكس تمامًا في الجانبين الأمريكي والأوروبي، حيث كانت القرارات بالحِصار غير مدروسة بالشّكل الكافي حتّى الآن، وكلّما طال أمد الحرب الأوكرانيّة كلّما ازدحمت الخزينة الروسيّة بمِئات المِليارات الإضافيّة، وبما يكفي لتمويل الحرب ويفيض، بينما يزداد نزيف نظيرتها في أمريكا وأوروبا بسبب تغطية خسائر أوكرانيا، وإرسال عشرات المِليارات قيمة صفقات أسلحة إليها.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”