تستعد مدينة نواذيبو - من جديد - لاستقبال طاقم من عمال الصحة الكوبيين للعمل في المستشفى الذي تم افتتاحه 2016.
هذا المستشفى الذي بني بمعايير متميزة، وتم تزويده بأحدث التجهيزات الطبية؛ من أسرة، وأجهزة فحوص، وأشعة راديو، تعتبر من الأحدث والأدق في المجال، ولا توجد في أي مستشفى آخر في البلد.
عمل الأطباء الكوبيون في المستشفى على مدى 5 سنوات تقريبا في جو هادئ: نسيم عليل.. سكن فندقي مريح.. وجبات ونقل مجاني ذهابا وإيابا.. مكاتب عمل جديدة.. تتوفر على أحدث التجهيزات من حاسوب ومعدات مكتبية حديثة.. مع حمام داخلي يحوي الماء البارد والساخن حسب الحاجة، توجد سكرتيرة أمام مكتب كل طبيب تنظم له مواعيده وتتولى الاستقبال وتوجيه المراجعين.. يحجز المرضى في غرف أنيقة ومريحة.. يجرى لهم الكثير من الفحوص أغلبها غير ضروري، ثم يخرجوا بفاتورة ثقيلة قد تتسبب لهم في أمراض أخرى.
في هذه البيئة عمل الطاقم الكوبي من أطباء أخصائيين وممرضين وتقنيين.. انسحب أغلب الأخصائيين بعد السنة الأولى، وفي كل مرة كان يتم تعويض الأخصائي بتقني أو ممرض في المجال، ويقوم باستشارات على أساس أنه أخصائي.. يشهد على ذالك عاملون من داخل المؤسسة ومئات الوصفات الطبية التي جمعها الأطباء ونشرت في الإعلام وتم عرضها أمام أحد وزراء الصحة - وهو طبيب - في زيارة للمدينة، فلم يزد على أن تبسم وطلب من الأطباء العمل والتعاون معهم، وأبلغهم ضمنيا بأن الكوبيين في حماية هرم السلطة الذي استقدمهم.
وحين انتهى عقد الكوبيين وارتأت الدولة بأنها لا تحتاجهم ولم يقدموا الفارق الذي أمل فيهم.. أغلق المستشفى - المثقل بالديون - وما زال حتى كتابة هذه السطور..
تعطلت الكثير من الأجهزة الثمينة والمعدات الحساسة التي يصعب إصلاحها من جديد..
في المقابل وعلى بعد أمتار يقع المستشفى الجهوي للمدينة - طب أسبانيا - الذي بني منذ أكثر من عشرين سنة.. يقف هناك شاحبا يصارع عاديات الزمن وعوامل التعرية التي نخرت جسمه النحيل الذي نحت نحتا رديئا بصفقة فاسدة ملئت بها بطون قلة بينما بقي بطنه الهزيل ضامرا، يقف بائسا يرقب أساساتة التي كشفت عورتها بفعل نهر الزمن وسقفه الذي تقعر بسبب الإهمال فأصبح أشبه بالغربال الذي يستقبل المطر ثم يجود به ليبتل كل شيء تحته.
يتندر أهالي المدينة بأنه حين قدمت ملكة إسبانيا سنة 2004 لتدشين المنشئة كانت ترنو بعنقها من نافذة الطائرة لرؤيتها منها ولكن هيهات.. وحين هبطت وقدمت لتدشينه وقفت بسيارتها طويلا عند الباب مترددة ثم خرجت فكانت الصدمة والغضب باديين على وجهها حتى رحلت.
يحوي مستشفى طب أسبانيا اليوم قرابة عشرين طبيبا أخصائيا في مجمل التخصصات، إضافة إلى أطباء عامين، وعشرات من الممرضين وعمال الصحة الآخرين.. يعملون في وضع مزر.. منشئة متهالكة.. غرف معاينة ضيقة قليلة.. أشبه ما تكون بالزنازين، يتناوب الأطباء على العمل فيها، جنبا إلى جنب مع صراصير وحشرات ودودة ألفت المكان وألفها.. أما مكتب للطبيب فهو حلم بعيد المنال.. ولو احتجت مرة لقضاء حاجة فابحث عن أقرب حائط أو عد إلى منزلك لقضائها.
ممرات ضيقة يتكدس فيها عشرات المراجعين يتنفس الواحد منهم من فم الآخر.. تنظيم رديء وصراخ لا يخفت إلا ليعلو من جديد..
وحين يقبل مريض على مضض أن يحجز في المستشفى فسيكون في غرفة كئيبة وشاحبة.. طليت كثيرا بعديد الألوان ولكن: هل يصلح "الدهان" ما أفسد الدهر؟
أما التجهيزات والمعدات فهي سيئة، أسرة قذرة يعاف الإنسان الاقتراب منها.. أجهزة فحص تكاد تجزم بأنها من بقايا الحروب العالمية.. عولجت عشرات المرات وضمدت حتى تبقى متماسكة.. تخبوا أحيانا وتفيق وقد تخطت عمرها الإفتراضي بسنوات..
إن حال الأطباء الموريتانيين والكوبيين هو كحال جيشين زود أحدهما بأحدث الأسلحة من رشاشات وصواريخ ودبابات وطائرات وأعطي الآخر عصى وحجارة وطلب منهما الذهاب للحرب.. فهل يلام الفريق الثاني على الهزيمة..
هذا نداء موجه لفخامة رئيس الجمهورية ومعالي الوزير الأول والسيد وزير الصحة بضرورة إنصاف أبناء البلد من أطباء وعمال صحة والذين صرفت عليهم الدولة مئات الملايين على مدى عشرات السنين ليعودوا فيجدوا في أنفسهم في ظروف سيئة لا يستطيعون معها القيام بأي عمل, وعليكم أن تعلموا أنه ما قامت دولة ونهضت إلا بسواعد أبنائها فالأولى والأجدر هو تكوينهم والاستثمار فيهم.
شعور مرير هو ذلك الذي تشعر به وأنت مواطن في بلدك وأقصى مطالبك هي أن توضع في نفس الظروف التي يعمل فيها أجانب في نفس مجال عملك وبينك وبينهم أمتار معدودة.
سيدي محمد ولد محمد الأمين