بينما تذوب الثلوج على حدود أوكرانيا تحت ثقل جنازير المدرعات القادمة من زمهرير سيبيريا، ويزداد البحر الأسود سخونة؛ إذ تمخر صفحة مائه البوارج الحربية والغواصات تذكرت شخصية أوكرانية عاشت حياة قصيرة لكنها حافلة بالأحداث.
سنة 1983 وفي مدينة “أوديسا” الجميلة جنوب أوكرانيا وُلدت “نتاليا نيكيفوروڤا” البنت الوحيدة لرجل من الشيشان وسيدة من أصول بولندية، لتنتقل لاحقاً للعيش مع عائلتها في موسكو ثم يشدّوا الرحال إلى “غروزني” عاصمة إقليم الشيشان.. لم تعرف نتاليا والدها الذي مات في سن مبكرة.
بعمر 17 أسلمت “نتاليا” وقامت بتغيير اسمها إلى “أمينة”، أحوال منطقة القوقاز حينها لم تكن مستقرة فقد اندلعت حرب الشيشان الثانية؛ مما دفع أمينة إلى الهجرة مجدداً سنة 2003 والعودة إلى مسقط رأسها مدينة “أوديسا”، هناك قامت بالتسجيل في الجامعة ودراسة العلوم الطبية؛ حيث تخصصت في الجراحة العامة وعملت في المستشفى المحلي.
تزوجت أمينة ثلاث مرات، ولم تكن اختياراتها لأزواجها عادية على أية حال.
زوجها الأول “عيسى مصطافينوڤ” التقته سنة 2000 لكن زواجهما دام فقط ثلاث سنوات حيث قتل في حرب الشيشان الثانية.
في أوكرانيا تزوجت مجدداً من السيد “إسلام توخاشيف” الذي تم ترحيله بعد سنوات بسبب إقامته بطريقة غير شرعية، لاحقاً تمت إدانته بقتل ضابط مخابرات روسي في إقليم إنغوشيا والحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
سنة 2009 التقت بزوجها الثالث السيد “آدم أوسماييڤ” ذي الأصول الشيشانية، والذي كان رفيقها حين اندلعت المظاهرات ضد الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا “فيكتور يانوكوفيتش” سنة 2013.
كانت أمينة وجهاً بارزاً في المظاهرات الداعية إلى مواجهة المصالح الروسية والحكومة الموالية لها، سرعان ما التحقت أمينة بجبهة القتال في شرق أوكرانيا حيث كانت ميليشيات مدعومة روسياً تحاول السيطرة على مقاطعة “لوهانسك أوبلاست”، هناك انتسبت إلى كتيبة من المتطوعين الشيشانيين وقد تم إطلاق اسم البطل الشيشاني السابق “جوهر دوداييف” على هذه الكتيبة في دلالة واضحة على طبيعة المواجهة مع روسيا.
عملت أمينة كمتحدثة رسمية باسم الكتيبة وتدربت الى جانب زوجها لتصبح قناصة، وشاركت في معركة “ديبالتسيف” سنة 2015 في منطقة “دونباس”.
لاحقاً حصلت على رتبة ملازم من وزارة الداخلية الأوكرانية.
آدم زوج أمينة كان أيضاً منخرطاً في مواجهة روسيا وحلفائها؛ حيث اتُّهم سنة 2007 بالتخطيط لاغتيال الرئيس الشيشاني الحالي رمضان قاديروف، ثم أعيد اتهامه لاحقاً بمحاولة اغتيال فلاديمير بوتين وسُجن عدة سنوات.
هذا العداء لروسيا جعله هدفاً لمحاولة اغتيال سنة 2017، حيث قام شخص بالتقرب منه مقدماً نفسه كصحفي لصالح جريدة “لو موند” الفرنسية، لكنه سرعان ما سحب مسدساً وشرع في إطلاق النار تجاه آدم، لترد أمينة بإطلاق النار على المعتدي ثم تطرحه أرضاً بعد أن علق مسدسها، ثم التفتت لزوجها وقامت بإسعافه لينجوا من موت محقق.
بعد أشهر قليلة كانت أمينة وآدم مع محاولة اغتيال ثانية، هذه المرة كمنَ المسلحون في منطقة قريبة من معبر سكة حديدية، وعند وصول السيارة التي كانت تقلها وزوجها شرعوا في إطلاق النار من أسلحة رشاشة لتصاب أمينة في رأسها ويتعرض زوجها لإصابات خطيرة.
حاول زوجها إسعافها، لكنها سلمت روحها لبارئها وهي ما زالت بعمر الـ34.
في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 دفنت أمينة في المقبرة الإسلامية لمدينة “دنيبرو” بجوار قائدها السابق ورفيق سلاحها في كتيبة جوهر دوداييف العميد الشيشاني السابق عيسى موناييڤ، تنفيذاً لرغبتها كما وردت في وصيتها. لم تحضر عائلتها خوفاً من تعرض جنازتها لاستهداف من الأعداء