بعض تفاصيل قصتي مع "لاحول ولا قوة إلا بالله"

خميس, 07/10/2021 - 13:13

بعض تفاصيل قصتي مع "لاحول ولا قوة إلا بالله"

----------------

هذه العبارة حين تنطلق شحنة يقين واستجداء حقيقية ( وليس نفخة لبان كلامية) لها تأثير لا يخيب. لا أتحدث هنا من واقع اليقين الاعتقادي العام الثابت فحسب، بل أيضا أستعرض نتائج امبيريقية من تجارب عشتها.

أذكر أنني ذات مرة كنت قاطنا شقة مستأجرة في مكان قصي من نواكشوط الغربية على طريق نواذيبو (غير بعيد من مسجد الصحابة؛ غربه بمربع سكني). وكان المبنى جديدا وجيد التشطيب آنذاك، وكنا سكان المبنى نعاني من عدم فعالية نظام ضخ الماء الذي لم يكن المالك قد أكمل تجهيزه، فتكرر انقطاع الإمداد بالماء بوتيرة لا تحتمل؛ فكان حدث امتلاء الحوض ووصول مائه حد امكان رفعه بالمضخة كالمنية في بيت زهير.

كانت العمارة جديدة وفي منطقة طرفية، وفي انتظار الاصلاح المتعهَّد به على غرار تعهدات الانتخابات المنكبية بتوفير الماء والكهرباء وتعهد القمم العربية بالوحدة، كان لزاما علينا سكان العمارة أن نشكل خلية أزمة نتقاسم من خلالها أعباء الصهاريج لملء الخزان المشترك؛ لكن الأمر لم يستمر كثيرا وانتقضت لحمة الفكر الاشتراكي التعاوني ذلك رامية بي - وكنت أضعف الجماعة حالا ماديا - في مدار الرأسمالية الفردية وتدبير ذلك بمعرفتي.

كان للمالك متعهد شقق طيب المعاملة، فوعد ببعض المساعدة كلما أمكن حتى تكتمل تجهيزات الحوض الكبير. كنت أتصل به إذا اشتد الأمر إذ لم تكن المنطقة قبلة لأصحاب الصهاريج ولا يأتيها منهم إلا مُكْرَه بناء على الحاح مُكْرَه -مثلي - زميل له في إكراهات العرض والطلب على الماء في عاصمة اليبس التنموي الفتية.

لذلك صار رقم الرجل في هاتفي النوكيايي من ذوات الشمعة - ولا فخر- مكتوبا في رتبة الطوارئ من فئة النجوم السبعة ولم يخل الأمر من بعض الخيبات، حيث أطلبه أحيانا فلا أجده على الخط ويجد هو صاحب الصهريج ويتعهد به ولا يفي الرجل صاحب الشأن ويرد أحيانا بعدم العثور على صهريج.

وبينا أنا ذات يوم وقد غيض ماء حوض الخزان الكبير منذ يومين كعشرة مما يعد أولو الماء الجاري، وبحت حناجر ماكينات الرفع حتى صارت كحنجرة مطرب شعبي خارج من حفلتين كلف فيهما بإنشاد ما تيسر من كرز البت الكبير في فاغو لكحل، وبعد أن جفت القداح والجراكن وضاق أفق الندى وشحبت زرقة سماء الأمل وأصبح حمام الاستحمام قفرا لا سبيل إليه إلا للوقوف على طلله وإنشاد طلعة الشاعر الحساني : هاذ لحْسَيْ الواڭف حي // ڭبلت مجحودَ فيه الطيْ ... الطلعه،

لجأت إلى رقم الطوارئ وقد بلغ القلق مني مكان الصلع لدى الرجال.

أجريت المحاولة الأولى فانقطع الخط ثم الثانية فلاحظت أن المكالمة قد كتب لها أن لا تجرى؛ فلقد ضعفت الإشارة (وكان أمرا يحدث أحيانا) وانتهى الرصيد تماما و"رحبت بي ماتل"، فالتقى الكربان على أمر قد قدر؛ لا رصيد بطاقة لطلب الماء الذي قد لا يأتي أصلا ولو تحدثت ساعة، وكان وقود السيارة شبه توأم سياميٍ للماء في نسبته للخزان ومضخة الوقود كمضخة الماء؛ أختان!

قلت في نفسي: ياهذا إنك خارج الشبكة تماما (وعنيت في نفسي سبل الحل كلها: بالحساسية "اوفات اخبارك") .. ثم أردفت مباشرة والحوقلة مقال الحال مني - وكأني أستعيد حقيقة من الذاكرة - لكن يا أنا؛ شبكة التواصل مع الله -فلت حرفيا في نفسي "ريزو امع مولانا"- لا تحتاج مشغلا ولا رصيدا مسبقا. قلتها، وأنا في وضع المتيقن المرتاح المفند لصولة النفس تلك والمستشعر لمباشرة سماع ربي لي ... بعد ساعات وصل الصهريج -الذي لم أستطع طلبه هاتفيا أصلا!!

زغردت الحنفيات وابتلت عروق الأنابيب. حصل ذلك، وكل الأسباب المادية في حصوله: رصيد منتهي وشبكة مضطربة واتصال لم يكتب له التحقق اصلا مع رجل لا يضمن أصلا الحصول على الصهريج وصهريجٍ يندر اصلا توجهه إلى تلك الوجهة في معتاد الحال!

--

في شارع برودواي تحت شمس سبتمبرية كنت مع زميلين قد عدنا للتو من جولة في خليج نيويورك حيث جزيرة الحرية واقترب وقت الظهر. كانت الحوقلة هذه المرة بأن منكبيا متسكعا في ذلك الركن من نيويورك يعتمد على ربه في توفير مكان للوضوء والصلاة دون كرب الخوف من مضايقة أمنية وقد أظلتنا ذكرى الحادي عشر سبتمبر وأنا الزائر العابر غير الباحث قطعا عن المشاكل.

ودون الخوض في تفاصيل، ذكرتها في خاطرة سابقة منشورة، ألهمني الله أن أسأل عابرا ذا ملامح إفريقية توسمت فيه الإسلام فكان الرجل دليلنا إلى مصلى غير بعيد تحول فيما بعد إلى محطة راحة وانطلاق لنا لنجوب المدينة بالطول والعرض فكان مصلى وبجانبه مطعم إسلامي الإدارة حار الوجبات. فكتب لي أن أصلي تلك الأوقات جماعة بكامل الاطمئنان وأن آكل حلالا وأن أكمل سياحتي في المدينة.

حصل لي قريب من ذلك حين عزمت على الصلاة وكانت عصرا وانا في باحة أوبرا "فيشي" الشهيرة بوسط فرنسا؛ فقلت بلسان الحال السائل اني سأصلي في ذلك المكان الذي لا أحسبه قام فيه عبد لله فكبر وسجد. وبالفعل، صليت عصرا كاملة في أوبرا فيشي دون اي إشكال!

---

ذات رحلة إلى دولة أوروبية كان وقت الرحلة قد اقترب وكنت أحسب أنني جاهز لها. وفي منتصف الليل اتصل بي زميل مرافق وختم حديثه - وكنا على موعد في اليوم الموالي مع السفارة - مؤكدا وموصيا لي بأن لا أنسى الرسوم على التأشيرة (حوالي 30 ألف أوقية) .. أجبت مكروبا مصدوما (فلقد كان تدبير ذلك المبلغ في ذلك الوقت ضربا من المستحيل بالنسبة لي) : أجل .. شكرا وأغلقت الخط وأنا أقول بمرارة : آن ذ ماكنت عالم بيه .. ثم في ثانية قلت : لاحول ولا قوة إلا بالله ، ملان بعد عالم بي. سأكون دقيقا لأن نقل الوقائع يتطلب ذلك : ما إن أكملت تلك العبارة حتى رأيت أمام ناظري جواز سفر رسمي (جواز عمل) كنت قد استخدمته سابقا ثم ركنته جانبا مستخدما العادي فيما بعد. وبالفعل تلك النوعية من الجوازات معفية من الرسوم فانحلت المشكلة بعد قطعي لمسافة مترين داخل البيت وخلال ثوان معدودة

------

تلك الوقائع نشرتها منذ سنوات تحت هذا العنوان، واضيف لها اليوم

أنني كنت في كرب هذه الأيام لأمر متعلق بتدبير شأن معين -وانا ممن يشطب طرق حل كثيرة لشبهة فيها او خدش كرامة - وكنت في ذلك مشغول البال ، سارحا بذهني، مكبلا في يدي، منذ أيام. وكلما قفز إلى ذهني ذلك الشأن، حوقلت مستحضرا النية وسابق مفعولها وامغطت الرقبة والركبة .. وعجبت - ولا يعجَب من أمر الله- أن ماكان ببالي اتاني دون سير في مسعاه ولا علم أصلا بجهة وروده، وبقدر الحاجة، ومن قناة مثلى في الجواز والنقاء والاباحة وانعدام الحرج والورود في الوقت!

تلك بعض المشاهد والوقفات مع هذه العبارة في معناها - حتى لا أطيل وليس كل الامثلة... وربما للحديث بقية إن شاء الله

(تدوينة سابقة، بتصرف مُحَيِّن لها بالفقرة الأخيرة)

 

تدوينة بقلم الاستاذ الاديب المهندس/ عبد الله محمد السيف

 

 

 

  

         

بحث