كيف باع رجل ظهره للوصول إلى أوروبا؟

ثلاثاء, 23/03/2021 - 12:14

شكك البعض عندما أعلنت المخرجة التونسية الشابة، كوثر بن هنية، عن عزمها مقاربة الموضوع السوري، باختيار مهاجر سوري بطلاً لفيلمها الروائي الثاني، وعبروا عن خشيتهم من أن تغرق المخرجة الصاعدة بعد نجاح فيلمها الروائي الأول "على كف عفريت" في تعقيدات الوضع السوري، بوصفها امرأة تونسية لا تدرك الكثير من خصوصياته وملابساته.

وكان قد سبقها مواطنها المخرج المخضرم، رضا الباهي، في هذا الدرب في فيلمه "زهرة حلب" والذي ظل دون مستوى الكثير من أفلامه السابقة.

بيد أن فيلم "الرجل الذي باع ظهره" لكوثر بن هنية، خرج بمعالجة ذكية لمثل هذا الموضوع الشائك، ومستوى فني مميز، جلب له احتفاءً نقديا واهتماما إعلاميا، بل وأدخل تونس للمرة الأولى في القائمة القصيرة لدائرة التنافس على جائزة أفضل فيلم أجنبي في جوائز الأوسكار هذا العام.

الحرية بين عالمين متناقضين

ولعل ما أراه سر نجاح بن هنية هنا، يتمثل في مقتربها الذكي للدخول إلى عالم الهجرة الناجمة عن الحرب في سوريا؛ الحاضر بشكل يومي في أخبار وسائل الإعلام وتحليلاتها ومتابعاتها الآنية، عبر تجنب الخوض في تفصيلات خصوصياته والتركيز على ما هو إنساني عام فيه (قد يبدو هذا لدى البعض تجريدا يستدعي الإدانة)، بل ونقله من عالم الخبري اليومي وعالم المعاناة والألم إلى عالم يقع على النقيض منه هو عالم الفن والجمال والمجتمع المخملي المرتبط به وزرعه في قلبه، مستثمرة كل التناقضات الناجمة عن ذلك.

رافق ذلك حرص المخرجة على تناول موضوع الحرية بين عالمين متناقضين تماما، لكل واحد منهما شفراته الخاصة: الأول هو عالم المهاجرين الهاربين من القمع والحالمين بالحرية، والثاني عالم الفن المعاصر الذي عماده الحرية. لكننا في النهاية نجد أنها حرية مضاعة في العالمين معا؛ في الأول بتبدد الحلم على صخرة واقع اللجوء والهجرة وفي الثاني بملابسات استلاب الفنان وتسليع عمله الفني في سوق تداوله.

فتتحول معالجة بن هنية إلى صرخة بوجه عالم الاستهلاك ومجتمع الفرجة، بتعبير المفكر الفرنسي غي ديبور، وعالم الاغتراب والاستلاب الإنساني الذي يغلب فيه التمثيل على الواقع ويستحيل الوجود فيه إلى مجرد مظهر ويختلط فيه الحقيقي بالوهمي والزائف الذي يتم فيه تسليع كل شيء. وحتى الإنسان فيه، لم يعد مستهلكا لنتاج مؤسسات إنتاجه الاستهلاكي ولا حتى بضاعة وسلعة يتم تداولها فيها، بل مجرد وقود يديم ماكنتها الرهيبة.

وهكذا نجحت بن هنية ليس في معالجة الأزمة السورية المعقدة وتفكيك ملابساتها، بل بالتذكير بموقعها ضمن أزمة مجتمعنا الإنساني المعاصر، الذي باتت الحروب والمآسي الإنسانية مادة للفرجة فيه، تنعكس في طوفان الصور والتمثيلات التي تُدوّرها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وشركاتها التي باتت شركات عملاقة لها حصة كبرى في عجلة الإنتاج الاقتصادي المعاصر.

أما العامل الثاني وراء نجاح بن هنية فتمثل في توفر فيلمها على مستوى فني وجمالي مميز، واستثمارها بذكاء لعوالم الفن التشكيلي وفضاءات المتاحف وصالات العرض الفني التي نجح مدير تصوير الفيلم الطموح، كريستوفر عون، في استخلاص صور طافحة بالجمال منها ترسمت في الكثير منها لوحات وتحف فنية بارزة.

 

بي بي سي

       

بحث