*التيدوم في الذاكرة الأدبية الموريتانية*
يعرف التيدوم بأسماء منها " التبلدي " - كما يسمى عند السودانيين ، أو " العنديس" و " الحمراء " كما في وثائق تعريب النبتات ببعض مكتبات تيشيت أو " الكنهبل" كما عند بعض محققي أهل المقري ، كما يعرف بــ"الدوم" و ليس الدوم الذي يقارب النخل في سمته .
و يعرف عالميا بــ " الباوباب" "le baobab" و يرى البعض أن أصول الكلمة عربية " أبوحباب" لاشتمال ثمرتها على كثير من الحبات.و يسميه الأفارقة " شجرة الحياة "
و اسمه العلمي " adansonia digitata" و تعتبر أوراق شجرة التيدوم " تَغْيَ " أو " لالو" - بتغليظ اللامين - مصدرا مهما للبروتينات و الفيتامينات a و c وb2 أما فاكهتها " تِيفنگْرانْ " أو " تجْمختْ " المعرفة ب " القنقليز " فيوجد فيها فيتامين c بدرجة تقوق ما هو مو جود في البرتقال بعشرة أضعاف ، كما هي مصدر للكاليسيوم .
و شجرة التيدوم من الأشجار الشاهدة على الأحقاب إذ يبلغ متوسط عمرها حوالي 3000 سنة ، و لهذا كان التيدوم يحيل إلى الثبات و القوة في مواجهة العاتيات ، و قد استغل هذا المعنى الشاعر زين العابدين ولد اجريفين في رثائه للأديب أحمدو سالم ولد الداهي في " گافْ اطْلعْ" حيث يقول:
بدْواريككْ ما فيهمْ حدْ
يالصّنگَ ماهُ تيدُومَه
يغيرْ اليومْ ازْگلتِ بعدْ
منهمْ تَيْدومَه معلومه
و هذا الثبات يجعل من التيدوم إلْفا مستقرا لأجيال تختزن فيه ألوفَ الذكريات المظروفة مكانا في الشجرة ، و زمانا في عمرها الممتد لقرون طوال ، فيكون لا أفجع من أن يُحكم الفناءُ قبضتَه على الأليف الشاهد على العصور بتقلباتها الزمانية و الإنسانية شهادة جبل ابن خفاجة الأندلسي ، فتكون النفس الحساسة أمام مشهد جلالي رهيب ، و هو المشهد الذي وقف أمامه عبد الله ولد صلاحي " الشيخ گلاه" التندغي ( تـ 1343) و هو يري دومتين ألفهما متلازمتين كنخلتي حُلْوانَ بمنطقة " تاردْ" شمال انواكشوط (في رحاب المطار الجديد) .... يمربهما ذات نجعة ، فيجد إحداهما قد تركتها عوادي الأيام و الليالي و القرون صرْعى بجنب أختها التي بقيت منفردة باكية ألم الوحدة و الانفراد فينطق بالحكمة مستحضرا حال قارب عَبْلٍ ألقته عاديات الزمن على ضفاف المحيط ، فبقي صدئا منهك القوى تحت ضربات الموج :
ألا ليت شعري هل أُبِينَ لذي العقلِ
من الأمر ما لي بانَ من فعل ذي الفعل
بدا ليَ أن لا خِلَّ يبقى لِخلّه
و لو طال مُكثُ الخلّ في جانب الخلِّ
و إِفْرادُ إحدى الدُّومَتَيْنِ عن اُختها
دليل على أن لا بقاء مع الأهل
و قاربُ " إِنْجَيْلَ " الحوادثُ فِعلُها
به مُنبِئٌ عن حَطْمِها للفتى العبلِ
له جانبٌ في البحر مُلقًى و جانبٌ:
أَقَطَّعْتَ قدما بالمُدى كُبُدَ الإبْلِ
و لعل نحوا من ذلك الاحساس انتاب شاعرنا ناجي محمد الامام في قصيدته الحرة " حزن التيدومة " التي يقول فيها :
تيدومتان اثنتان...
يقولون لا تفتآن على إلفةٍ
...و خلود...
و جاء المصيف و طال...
و لم يأت إلا المصيف
و عاد ... كما كان ... عاد المصيف
و ماتت على جذعها " أم ليف"
بقيتِ....
و لا شيء أفجع / لا أمر أوجع
من سكرات " الوليف"
و منذ زمان ارتبط التيدوم ارتباطا لصيقا بأخيلة و مشاعر الشعراء الحسانيين فكان كنزا للإلهام يقف الشاعر أمامه آويا إليه كالأم الرؤوم أو الأليف الحميم مسدعيا الاطمئنان عليه .. سواء كان ذلك في شجرة محددة كــ" تيدومة الماخظ" بمقاطعة ولد ينجه التي يذكرها احْمادو " أرَبانْ " ولد أعمر ولد محم ( 1900 --1980) : بحنين فائق كثابت من ثوابت المكان الأثير الذي تتعاوره التغيرات من كل الجهات
عارفْ يلبالْ انْ التِّجالْ
الْ فجّمْلانيّ مزالْ
فم اعارف عنها يلبال
مَسْيَلها بينات واخظْ
ؤ لگْليبْ الي شرگْ ابذي الحالْ
فمْ، أفم ابلد لمّاخظْ
و اگليب التّمايَ ماحادْ
- يلْيعملْني ما نُواخظْ -
عن بلو و التيدومَه زادْ
الماخظْ مزالتْ ماخظْ
و مثل " تيدومة أهل أحمد فال " بمقاطعة المذرذره التي يقول يخاطبها الأديب عارف ولد كريم مخاطبا فيها عهودا من الصفاء كانت شاهدة عليها قبل عاصفات التغيير الماحق للقيم و الطّباع:
هذي تيدومةْ يالدلالْ
اهل احمد فالْ الي تنگالْ
تخظارْ أتعراظْ أتطوالْ
غيرْ اعلَ اسگمْ و املوسِيّ
درْكتْ من لجيالْ ؤُ لَحوالْ
شِ ما دركُو ماهُ هيّ
ؤ دركتْ هذي الحيّ مزالْ
افْذي الحيّ لَحْمَه حَيّ
و امّلّي زادْ الَّ ينگالْ
اعْيَ عنهَا ديْمانيّه
يالتيدومه ذاكْ التحجالْ
الّي طاري و استحفِيّ
ؤُ ذيكْ امّلي ظِيگتْ لَخلاگْ
فاتْ اعْليكْ آنَ يَلْبِيّ
ما فاتْ اعْليّ و التّدْراگْ
اعْليها ما فاتْ اعلي
و لا يمكن أننسى الإطلالة الوجدانية الرائعة لسيديا ولد هدار ( تــ1945) بالسؤال المفعم بالحنين و طيب الذكَرَات عن " اصوَيْكْ التيدوم" المتعالي على طوگ ابْلمْعارظْ ( بمقاطعة كرمسين)
مندرْتِ يَكانْ المَلْعوگْ
اصْويْكْ التّيدومْ المحروگْ
الّي فوگْ الطّوْگْ الي فوگ
اكْراعْ ابْلمعارظْ تَلّو
كانْ الفوگْ اعل راص الطوگْ
يَكانو مزالْ افبلُّو ؟
أما " آگوم تيدوم" أربان ، فهو ملحمة تقصر عن شأوها سوابق حلبات الوجدان :
هذا الدهر اتف بيهْ
مارتْ عنّو غدارْ
مارتْ ما تُورَ فيهْ
حلاوَ ما تمْرارْ
خظتْ اعْلَ دارْ اليومْ
اهل ايّ يَلقيومْ
شفتْ آگومْ التّيدومْ
لمسهْو كان الدار
محروگْ أعادْ احمومْ
سبحانك يلقهار
معْوَدْ حراگْ آگوم
ماهُو فاهمْ لخبارْ
وهو الذي يتلوى حزنا - رغم أجواء الخريف المبشرة - بسبب ماعانت أرضه من شدائد أجهزت على أُلّافه في عالم الطبيعة ، و لم يبق له مما يتعلق بأهداب
الأمل فيه إلا " تيدوماتْ وادْ بُگَرْفَه" :
مَظْكورْ الشرْگْ انُّو اخْريفْ
عاگبْ دَهْرُ ما فيهْ ريفْ
إريفي يحْثي و انْسيفْ
من سنينْ اتْرماتُ
من طولْ الشده و انْزبفْ
سدرُ ماتْ أتَماتُو
و آمورْ امّلي ماتْ كيفْ
سدرو و الطلح امّاتُو
ماتو اُلا نعرفْ يكانْ وادْ
بُگَرْفَه تَيْدُوماتُ
ماتو ولّ يكانْ زادْ
تَيدوماتو ما ماتو
و من التعلق بالتيدوم كثرة الأماكن المسماة به مثل " گيعة التيدومة " بمقاطعة تامشكط و " مسيل التيدومة " بقاطعة كيفه و " بتيدومه " الواقع بين الخوّاره و بوطْريفيه بمقاطعة كرمسين ، . .. و الأماكن المسماة بالتيدوم كثيرة جدا....
و لم يقتصر الأمر على ذلك بل دخل التيدوم إلى بحور " ابْتُوتَة" الشعر الحساني ، فهناك بت التيدوم ذي السبعة متحركات المسوروم أي الخالي من الگدعة ( التقاء الساكنين )
و من أمثلته الشهيرة :
هذَ گافْ امْنْ التّيْدومْ
تيفلْواتنُّ صالُ
و الناس اصْدرها تيدوم
ما ينباعْ الْها لالُ
و للتيدوم حضوره الرائع في " أشْوارْ " " الشّنّه / بنجه "
و في الأخير أُردد متوسلا مع الشيخ الصالح / محمد المامي ولد البخاري رحمه الله :
يَرَبْ اراشْ أتنگراشْ
و اوَراشْ أرَبْ التَّيْدومْ
انتَ تعرفْ عنِّي عَطّاشْ
و انَ نعْرَفْ عَنّكْ مَعْلومْْ
*الولي ولد طه*
منقوووول