صوت عربة المستشفى يشق هدوء الليل، يدفعها المسعفون عبر الممر الطويل، نحو غرفة حفظ الموتى..
- الحارس في سره : لا بد أنهم آتون بجثة جديدة..!
- المسعفونى: طابت ليلتك سيدي الحارس، هذه جثة امرأة احفظها في الثلاجة حتى الصباح فسنأتي ونأخذها للمشرحة.
- الحارس : أعطوني اسم صاحبة الجثة وسبب موتها، حتى أدونه في السجلات
- المسعفون : حقاً لا نعرف هويتها وسبب موتها
فقط ..تلقينا بلاغا عن حادثة قتل، وقمنا بنقلها ماتت في الطريق.
- الحارس يكتب : (الاسم: مجهول - سبب الوفاة : غير معروف – الجنس : أنثى)
أدخل الحارس الجثة في الثلاجة وهي مغطاة بلفافة بيضاء، وغادر المسعفون..
تذكر الحارس بعد منتصف الليل، أنه نسي ملابسه في الغسالة، وعليه أن يخبر زوجته كي تخرجها وتنشرها.
فأخرج جواله وأجرى اتصالاً بزوجته..
لكنه سمع رنين هاتف يتسرب صوته من داخل ثلاجة الموتى..!
ففزع لِما حدث ، لأنه لا يوجد احد سواه في المكان ، وجميع من هنا اموات....
فبات يتنصت لصوت الهاتف من اين يأتي ، من أين يأتي ، فإذا به يصل إلي جثة المرآة التي احضرها المسعفون في هذه الليلة...
فازدادت دقات قلبه جدا ، يقول الراوي انه كاد ان يتوقف من شدة الفزع والخوف...
فتسارعت الافكار في باله ... واشتد قلقه وخوفه دقيقة بعد دقيقة ، بل ثانية بعد ثانية...
فاستجمع شجاعته وقال في نفسه هل يعقل ان تكون هذه زوجتي... هل يعقل ، هل يعقل!!
فبدأت الدموع تسيل من عينيه ، لقد تذكر كل لحظات جميلة مرت في حياته ، تذكر كل شيء في بضع دقائق او أقل...
انه الموت الحاسم الذي يفصل الحبيبين ، الذي يفصل العاشقين ، الذي يفصل الترابط!!
...
وفجأة...اذا بالحارس يمسك بباب الثلاجة ويجذبه للخلف " يفتحه " وينظر إلي وجه المرأة والدموع ما زالت تسيل من عينيه...
وكانت المفاجأة الكبري...
والصاعقة التي نزلت علي الحارس ,وهي ان الجثة لم تكن لزوجته!!
فبدأ الشك يسري في عروقه كسريان الدم....
وبدأت الاسئلة تطارده... كيف وصل هاتف زوجتي الى هذه المرأة...
من تكون هذه المرأة.. ما حال زوجتي الان... ماذا يحدث ...ماذا يحدث؟
كاد الحارس ان يصاب بالجنون من تردد الاسئله في ذهنه... وكانت جميعها بلا اجوبة....
فقام بإبلاغ الشرطة وبعض قيادات المستشفى... ليتم التحري في القضية المعقدة ، التي كادت ان تصيب صاحبها بالهلع والجنون....
وعندما حضرت جميع القيادات ، استأذن وذهب مسرعآ للمنزل ليجد زوجته نائمه ، وليس في بالها أي شيء اطلاقآ....
فأفزعها فزعه ، واحتضنها كما لو لم يراها منذ زمن بعيد...
فاندهشت الزوجة وقالت : ماذا بك يا زوجي العزيز ، كانت تقولها بشغف كبير ، ماذا بك... هل حدث شيء ما.. تكلم ، ماذا حدث!!
وهو منهمر بالبكاء ، ويزادد في البكاء كلما تحدثت زوجته ، حتى هدأ ، وأحضرت له كوب ماء ، فحكي لها ما حدث!!
فقالت له " لا تقلق إن الله معنا " ...
فاندهش ، وبدأت الشكوك تراوده وكأنه يوجد شيء تخفيه زوجته عنه...
فقالت له يا زوجي العزيز ، كنت أتسوق اليوم ، فأوقفتي امرأة غريبة تسأل عن مساعدة "مالية " فأعطيتها شيئا ثم عاودت ثانية سائلة المزيد من المال ، فأعطيتها....
ثم عاودت ثالثة وقالت : هل يمكن ان اجري اتصالا هاتفيا على زوجي فهو مريض ويقيم بالمستشفي وليس معي هاتف ؟!!
فقلت لها تفضلي تكلمي ما شئت...
وانشغلت عنها لأقل من دقيقة واحدة فلم أجدها ، فحزنت حزنآ شديدآ ، ليس لسرقه الهاتف ,بل لأني لم اقصر معها ، فخدعتني ، حيث طلبت صدقة فأعطيتها ، ثم سرقتني ، ومن شدة الصدمة لم اذكر إلا كلمة" حسبي الله ونعم الوكيل " وعدت للمنزل وكان يملؤني الحزن الشديد من فعلة هذه المرأة...
وقبل ان انام ، قلت : اللهم إني أمتك ابنة أمتك، ان كنت أغضبتك يومآ فأنت الرحيم ، واذا غفرت لي وأعطيتني فأنت الكريم..
اللهم إن هذه المرأة خدعتني بعد أن احسنت اليها ، فإني أفوض أمري إليك ، فأنت الحكم العدل... ثم خلدت للنوم!!
وفي الصباح ذهب الحارس لمكان عمله ، واستفسر عن آخر التحريات بخصوص هذه المرأة...
فقال له أحد رجال المباحث : إن هذه المرأه تعرضت للخداع من قبل ثلاثة اشخاص... فقال الحارس ما القصة الكاملة؟
فقال له... هؤلاء الثلاثة الذين تم القبض عليهم اقروا بكل شيء ، فقالوا... إن هذه المرأة جاءت تسألنا بعض المال ، فغازلناها ، فلم تأب ,فجاءت معنا ، واشطرت علينا ألا يلمسها احد منا...
فذهبنا الي منزل أحدنا ، فاحتسينا الخمر ،حتى لم نستطع تذكر أسمائنا ، فزينها في أعيننا الشيطان ، ففعلنا ما فعلنا ، ولكي لا تخبر احدا ، تخلصنا منها ونهبنا كل ما تملك...
فقال الحارس لصديقه ، لماذا لم يسرقوا الهاتف النقال ايضآ!!
فقال له عندما سألتهم عن ذلك ، قالوا :عندما كنا نفحص ما تملك من ذهب و مال وجدنا الهاتف ، وقبل ان يلمسه احدنا بدء الهاتف تلقائيا يقول " واستغفروا ربكم ليلا ونهارا " ويحثنا علي قيام الليل ، فأنبنا ضميرنا....
يقول الشرطي لصديقه الحارس...وكأن الكلمات اصابتهم بالصاعقة... فجاءوا لتسليم أنفسهم ,وهم مستعدون للعقاب أيا كان.... فدمعت عين الحارس من سماع كلمات صديقه... وذهب إلي زوجته ليقص عليها ما حدث.....
فأخبر زوجته بما حدث وقال ، لقد سمع الله نداءك واقتص من المرأة خير قصاص....
فقالت الزوجة " ولا يظلم ربك أحدا " ...