شهادة نادرة في حق المختار ولد داداه من مرافقه العسكري(ج الاخير)

اثنين, 07/12/2020 - 13:23

في طوكيو، على هامش مهمة جاء فيها على رأس وفد من منظمة الوحدة الإفريقية للدفاع عن قضية  تصفية الإستعمار في الأراضي الإفريقية التي لا تزال تكافح من أجل إستقلالها، وافق دون حماس على إستقبال رئيس جمعية تعاونيات للصيادين اليابانيين، متهمين في كثير من الأحيان بالصيد دون ترخيص في مياهنا الإقليمية. لم يرفض الرئيس هدية أحضرها له الياباني فحسب، بل جمع كل الهدايا الصغيرة التي وزعها رجل الأعمال على أعضاء وفدنا الآخرين وأعادها إليه، وكانت صغيرة وبسيطة لا تتجاوز قيمتها خمسة دولارات في المتوسط​​.

 في الفترة نفسها، في اليونان هذه المرة، كنا في زيارة عمل، مع وفد صغير، كان على الرئيس العودة إلى أنواكشوط في تاريخ محدد، على خط طيران إفريقي منتظم من باريس. قادتنا جهودنا للعثور على طائرة لإستئجارها إلى العاصمة الفرنسية إلى شركة Olympic Airways التابعة لمالك السفن اليوناني الثري أرسطو سقراط أوناسيس.

ولما علم رجل الأعمال بذلك، طلب مقابلة ليقدم فيها التحية للرئيس فرتبها له بروتوكولنا.

 في نهاية المقابلة، عرض الزوج الثري لجاكلين كينيدي على الرئيس المختار الإحتفاظ، إذا رغب في ذلك، بطائرة Mystere 20 التي قررت شركته وضعها تحت تصرفنا لهذه الرحلة، وقد تم رفض هذا العرض بأدب لكن الرئيس وافق على أن تقلنا هذه الطائرة الى باريس لنلحق برحلتنا المنتظمة على متن شركة الطيران الإفريقية.

في المقابل، لم يكن الرئيس المختار معروفًا بسخاءه المالي، على عكس بعض أقرانه الأفارقة والعرب، لا من ماله الخاص، لأنه لم يكن لديه سوى راتبه المتواضع البالغ 80 ألف أوقية (400 ألف فرنك إفريقي)، ولا من الأموال العامة التي كان لا تأخذه في تسييرها الصارم لومة لائم. فالرئيس المختار لم يكن يحمل ابدا أي أموال معه أو حتى في حقيبته. في هذا الصدد، تكرر كثيرًا أن أقرضه، لإعطاء الصدقة لفقير صادفه على هامش إجتماعاته في مقر الحزب، أو في الخارج، للدفع لحلاق أو بعض النفقات الصغيرة، 500 أو 1000 فرنك إفريقي، 100 أو 200 أوقية، وربما 20 أو 30 دولارًا كان يعيدها لي دائمًا بعد أسبوع أو أسبوعين، بدون زيادة ولا نقصان، ويقول لي دائمًا: "يا ملازم، الوفاء في المعاملات المالية يُكسب الأصدقاء الأوفياء"

 أكسبت الرئيس المختار حكمته البالغة وروحه التوافقية إحترام وتقدير أعظم قادة العالم، ومن باب أولى، جميع أقرانه في إفريقيا والعالم العربي حيث كثيرا ما مكنت تدخلاته السرية من تقارب المواقف المتباعدة جدًا أو حتى من إعادة العلاقات بين النظراء المتنافرين. أذكر على سبيل المثال، مما شهدته شخصيا، حالة العلاقات المتوترة إن لم تكن المقيتة حينها بين الرئيسين "سيكو توريه"، رئيس غينيا، و"سينكور" رئيس السينغال وكان كل منهما صديقا حميماله، وقد تطلب تحسين العلاقات و رأب الصدع بينهما من الرئيس المختار العديد من الرحلات إلى داكار وكوناكري.

أسكن الله هذا الرجل العظيم في جنات خلده الواسعة.

 

بقلم العقيد والوزير / الشيخ سيد احمد ولد باب أمين المرافق العسكري السابق للمرحوم المختار ولد داداه

للعودة للحلقات الماضية ,يرجى الضغط هنــــــــا

       

بحث