في صالون منزله العامر استقبلني الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بتواضعه المألوف وكرمه الجم في آخر زيارة قبل أكثر من شهرين، بعد صلاة العشاء وكانت كريمته آمال _ أكرمها الله بالصبر والأجر _ هي ثالثنا، وقد استأذنت بأدب في البقاء معنا لتحضر اللقاء وتشاركنا السمر والحديث،،
كان الحديث كالعادة نتفا أساسها أهم أخبار الساعة، مع محاولات مني دائمة بسؤال الرجل عن رأيه في بعض الملفات الوطنية وبعض الأحيان أحاول الاستفادة من تجاربه خاصة فترته الوجيزة في الحكم. مضت لحظات الجلسة سريعة كأي لقاء مع هذا النوع من الأشخاص، وهممت بالانصراف بعد حوالي ساعتين مع رجل لا يُمل حديثه الذي ينضح عقلا وحكمة وتجربة وحلما..
أصر الرئيس رحمه الله على اصطحابي إلى الباب بل إلى السيارة _ كعادته _ رغم الضعف البادي عليه، وعند مدخل الباب وضع يده اليمنى على منكي الأيسر بلطف وقال: محمد الأمين إن أهم شيء يجب التواصي به هو وحدة أهل موريتانيا واتحاد جميع فئاتهم والمساواة بينهم والعمل على ذلك، (أهم ش يوصى اعليه هو العمل اعل اتفاك أهل موريتان، المجتمع ما عندو ش أهم من اتفاك جميع فئاته أولا والعدل بينهم، مدة اتافكت كل ش تكد تعدلو، ومدة لا قدر الله ماه اتفاك ما خالك ش) كررها وودعني ودعا لي بخير، جزاه الله عن الوطن والمجتمع خير الجزاء.
لقد كانت الوحدة الوطنية والمشكل الاجتماعي خاصة ركنيْ العبودية والارث الانساني أهمّ ما يشغل بال الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وقد جسد ذلك فعلا لا قولا فقط أيامه على رأس الدولة، رغم التشويش عليه وكثرة الجبهات التي حاربته، بل ربما كان هذا الاهتمام من أسباب تكالب عليه بعض قوى الإقصاء والغبن حتى أطاحت به في أغبى وأسوأ انقلاب عرفه بلد الانقلابات هذا، انقلاب عجز أهله عن صياغة بيان يبرر ولو كذبا فعلتهم كما يحصل عادة، فجاءوا بشيء "لاغ" وأضاعوا فرصة كبيرة على البلد.
وتعرفون نهاية القصة، وأهم ما فيها قدرة الرجل على الحلم والصبر، والترقي في مدارج المسؤولية والأخلاق، رحمه الله برحمته الواسعة وبارك في خلفه وأهله، وأخلف البلد خيرا.
النائب/ محمد الأمين ولد سيدي مولود
((آخر وصية في آخر لقاء مع الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله))