23 – العهد
لن يتخلص ولد الغزواني بسرعة من عقدة العهد مع ولد عبد العزيز؛ عقدة الطعن فى الخلف للرفيق. الاسم الذي اختاره مستشاروه لبرنامجه الانتخابي “تعهداتي”، أو اختاره هو بنفسه، يذكر دائما بعقدة العهد.
لم يجد عزيز وغزواني من يتضامن معهما فى محنتهما الراهنة، بشأن عقدة العهد، إلا الخليل النحوي فى مقاله تحت عنوان : “عن الوفاء وقيم التداول على الحكم”. مقال ساق لهما فيه أمثلة رائعة فى الوفاء، منها ما حدث بين يوسف بن تاشفين وابن عمه أبو بكر بن عامر فى التناوب السلمي على السلطة، إثر نصيحة امرأة؛ ومنها التناوب بين سنغور وعبدو ديوف فى السنغال، وبين ديغول وجورج بومبيدو فى فرنسا.
لكن ولد النحوي كان أكثر إنصافا وميلا – فى مقاله ذلك – إلى الرئيس الحالي، حين نصح عزيز بالتنازل عن حقه فى ممارسة السياسة، كي لا يشوش على صديقه الرئيس.
ولم يجد عزيز حين جلس وحده من يتضامن معه فى السياسة إلا اثنان، هما بيجل ولد هميد، وسيدنا عالي ولد محمد خونه. وكان ولد هميد آخر الأوفياء لعهد ولد الطايع.
والإنصاف يقتضي أن نساوي بين عزيز وغزواني فى مسألة العهد؛ إذ نحن لا نعرف أيهما ظالم، فهما شريكان فى كل شيء منذ الانقلاب على ولد الطايع إلى اليوم، ولم نطلع على بنود الاتفاق بينهما، حتى نعرف أيهما نكث العهد للآخر. لكن عزيز الآن، بعد أن تخلى عنه الجميع، أصبح هو الحلقة الأضعف، وهو إلى الإنصاف أحوج.
كما أن قوة الكاريزما فى المعارضة، لا تقاس بعدد المناصرين، وإنما بالطموح والقدرة على الصمود. ومن السهل على عزيز أن يكون اليوم زعيما للمعارضة. لكنه تلقى أول ضربة سياسية موجعة يوم فجرت زيارته المفاجئة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، جدلا حادا بشأن المرجعية.
أما ضمير النسبة فى عبارة “تعهداتي”، فيشير بوضوح إلى ربط المسألة بشخص الرئيس، وتلك عقدة أخرى، يفرضها على القائد نظام التصفيق للقائد الزعيم؛ فلا بد – كي يكون التصفيق حارا، ويكون الرقص جميلا – ألا يسمع صوت أعلى من صوت الرئيس، وألا يظهر ظل على جدار السلطان أعلى من ظله، وفق فيكتور هيكو فى كتابه “مسيرة التاريخ” La marche des siècles حين كان يصف عقدة السلطان من ذلك القائد الذي عاد منتصرا فى حرب الأندلس “Le Cid” (السيد)، وصار الناس يصفقون له ويحتفون به أكثر من الملك نفسه. إن هو قدمه يقال : “الملك يمشي وراء السيد”، وإن هو أخره يقال إن الملك يأتي مثل الرسول، للإبلاغ عن قدوم السيد.
أخذ “السيد” لنفسه ذلك الكبريت، كبريت السيادة، ولم يترك منه شيئا للملك، ملك إسبانيا، وجعله فى ورطة؛ إن هو عاقبه يقال ملك جائر، وإن هو تركه خطف منه أضواء المجد والسيادة.
“السيد” عندنا هو ذلك الشخص المزعج بتفوقه على الآخرين، بتلك النعم الباهرة التي حباه الله بها دون غيره. تلك النعمة، هي التي كان يقول لها اليونانيون الكاريزما.
هي ذلك الشيء الذي كان عند الكفيه ولد بوسيف، والشيخ سيد المختار الكنتي، والشيخ سيدي، وأحمد ولد الديد، والشيخ ماء العينين، وبكار ولد اسويد احمد، وسيد احمد لحمل عيده، ولحزام ولد معيوف، واغموك.
هل من بين القادة العسكريين المقربين من الرئيس والذين يشاركونه اليوم فى الحكم، من هو أهل ليكون هو السيد ؟
هل من بينهم من لديه كاريزما اسويدات ولد وداد، أو جدو ولد السالك، أو فياه ولد المعيوف، أو بوسيف، أو كادير، أو انيانك، أو هيدالة، أو ولد لكحل ؟ لا ندري.
هل عقدة السيد حاضرة أيضا فى النظام المدني وفي الحكومة ؟ هل من بينهم من لديه كاريزما ولد حرمة، أو ولد عمير، أو ولد عبيد، أو بياكي ؟ لا ندري.
24 – اليد
أغلب القرارات التي اتخذت حتى اليوم تسير فى اتجاه نظام دكتاتوري فردي، بدأت معالمه تتضح من خلال ربط جميع الأمور بشخص الرئيس، بما يتنافى بالكلية مع النظام الجمهوري، نظام المؤسسات.
نعم. قالوا إن الرئيس أعطى للحكومة جميع الصلاحيات فى تنفيذ مشاريع التنمية والإصلاح، لكنه أعطى بيده اليسرى ما سلبه منها باليمنى. أعطاهم الصلاحيات من جهة، وسلب منهم وسائل التنفيذ من جهة أخرى.
جعل الموارد المعبأة لتنفيذ برنامج “تعهداتي” تابعة للرئاسة، وجميع اللجان المهمة فى الدولة أصبحت تابعة للرئاسة. فأصبح الرئيس والمقربون منه هم من يتولون توزيع المساعدات على الفقراء والمساكين، وعلى الصحافة. وبقيت الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة، جالسة تتفرج على صلاحياتها المسلوبة فى يد مستشارين جدد، لديهم صفر فى كاريزما القيادة والتسيير، وليس لهم من السند القانوني، إلا أنهم يأتون من الرئاسة، أو أنهم امتداد لشخص الرئيس. وهذا لا يحدث أبدا فى الأنظمة التي تطمح أن تكون ديمقراطية.
25 – الكمامة
وجدناهم “يَشْبَحونَ” الطبول لبرنامج “تعهداتي”، ولم نجد له – بعد عام كامل – أثرا ملموسا على أرض الواقع، لا يعدو كونه جعجعة بلا طحين. ربما لأنهم قضوا نصف العام فى التحضير والتخطيط، ونصفه الثاني فى مكافحة كورونا، وغسل اليدين ووضع الكمامة.
غسل اليدين من الماضي، ووضع الكمامة والقفازات، كشرطة المباحث، لتطهير المكان، وأخذ البصمات.
كثرت الاعتقالات فى صفوف المدونين، بدون مبرر واضح، وأطلق سراحهم دون محاكمة، وذلك من سمات الدولة البوليسية.
هذه سيدة دخلت السجن وهي مرضعة، فقط لأنها تحدثت فى الخاص عن الفحوص. وهذه أخرى تقال من منصبها لأنها تحدثت فى الخاص أيضا عن كاريزما الوزير. وهذا شاب يضرب عن الطعام، لأنه دخل السجن بسبب تدوينة. وذلك من سمات الضعف لدى الأحكام الاستثنائية التي تسبح عكس التيار.
أطلق ولد الطايع الحريات، وقال للناس : “قولوا ما شئتم، ونحن سوف نصنع ما نشاء”، وقال العسكريون الذين أطاحوا بولد داداه : “تحدثوا عن الجفاف، وعن ويلات الحرب والحزب الواحد، لكن الجيش خط أحمر.”
وقال هيدالة : “ليس لدينا وقت للكلام، ومن تكلم يسجن فى غرفة جكوار، ومن تظاهر يقمع، ومن يخالف الشرع أقمنا عليه حدود الله.”
وقال عزيز : “قولوا ما شئتم، واصنعوا ما تشاءون، وأنا مثلكم سوف أقول ما أشاء، وأصنع ما أشاء.” ويقول ولد الغزواني للناس صفقوا، صفقوا، لكن بهدوء، ولا يتكلم منكم أحد، وانتظروا فأنا ليس عندي ما أقوله لكم فى الوقت الراهن. وأحتاج إلى مزيد من الوقت، لأعرف ما سأفعل.
لا بد للحكم من درة عمر، أو سوط الحجاج، أو سيف زياد ابن أبيه، أو مال هارون الرشيد، أو حلم معاوية، أو عدالة عمر بن عبد العزيز.
“ولا ينفع الأسْدَ الحياءُ من الطّوى .. ولا تُتقى حتى تكون ضواريا“.
وقد يزداد الوضع تعقيدا، عندما يطالب القادة العسكريون بنصيبهم من الكعكة، وتتشابك المصالح الكبيرة، وتدخل القوى الخارجية على الخط : فرنسا، الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، قطر، تركيا، المغرب، الجزائر، وتقاسم الغاز مع السنغال.
26 – الحكومة
يتبع ان شاء الله.....
نقلا عن/ ريم افييد
للرجوع الى الحلقات الماضية, يرجى الضغط هنـــــــا