لا يخلو أي زمان ولا مكان من العصاة والماجنين , كما لا يخلو من المؤمنين الصالحين ,وفي قصص هؤلاء عبرة وعِظة لنا نتعلم منها ونتعظ بها.
في زمان مضى , وفي شهر رمضان الكريم , وفي مكة المكرمة كانت هناك فتاة بارعة الحسن والجمال ، وكان لها زوجٌ ، فنظرت يوما إلى وجهها في المرآة فأعجبت بنفسها وقالت لزوجها : أتعتقد أن أحدا على وجه الارض يمكن أن يرى هذا الوجه ولا يفتتنُ به ؟ ، قال : نعم ، قالت : مَن ؟ ، قال : شاب يسمى عُبيد بن عُمير ، قالت : فأذنْ لي فيه فلَأَفتنّنهُ اليوم وسوف ترى ، قال : قد أذنتُ لك لأني أعرفه أنه لا توجد امرأة في الدنيا يمكن أن تفتنه عن دينه.
فأتتهُ كأنها مُستفتية عن أمر من أمور الدين، فخلا معها في ركن من أركان المسجد الحرام ، فأسفرتْ عن وجهٍ كأنه البدر ليلة التمام وكشفت عن شعر رأسها المنساب كأنه حرير في نعومته ولمعانه ، فغض عبيد بن عمير بصره وقال لها : يا أمة الله اتقِ الله , ماذا تفعلين؟ قالت : إني قد فُتنتُ بك فانظر في أمري فإني أريد منك أن تفعل معي كذا وكذا ، قال :
إني سائلك عن أشياء ، فإن أنت صدقتِيني ولم تكذبي نظرتُ في أمرك وفيما تطلبين مني ، قالت : نعم ..اسألْ عما بدا لك..فو الله لا تسألني عن شيء إلا صدقتك فيه، فقال لها :
أخبريني ، لو أن ملك الموت أتاكِ ليقبض روحك ، أكان يسركِ أني قضيت لك هذه الحاجة طلبتِ مني الآن؟ ، قالت : اللهمَّ لا ، قال : صدقتِ ، ثم قال : فلو أنك أُدخلتِ في قبرك ، فأُجْلِستِ للمساءلة ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ ، قالت : اللهم لا ، قال : صدقت ، قال ,فلو أن الناس يوم القيامة أعطوا كُتبهم ولا تدرين : أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك ، أكان يسرك أنى قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا, قال : صدقت...فلو أردتِ المرور على الصراط ، ولا تدرين أتنجَين من السقوط في جهنم أم تسقطين فيها ، أكان يسرك أنى قضيت لك هذه الحاجة ؟ ، قالت : اللهم لا , قال : صدقت ، فلو جيء بالموازين القِسط يوم القيامة وجيء بك , وانت لا تدرين : أُتَخُفُّ موازينك أم تثقل ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ ، قالت : اللهم لا...قال : صدقت ، فلو وقفتِ بين يدي الله عز وجل للمساءلة والمحاسبة ليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة , أكان يسرك أن تلقيْ ربك بهذه الفاحشة...بهذه الكبيرة؟ قالت : اللهم لا , قال صدقت.
ثم رفع طرفه الى السماء وقال لها : اتق الله يا أمة الله ؛ فقد أنعمَ الله عليك وأحسن إليك , فاشكريه على نِعمه , وشكرُ النعمة صرفُها في طاعة المنعم لا في معصيته وتعدي حدوده.
فرجعتْ إلى زوجها منكسرة باكية ، فقال : ما صنعتِ , هل افتُتِنَ بك عبيد بن عمير؟ فقالت له : أنت مفرط في جنب الله ، ونحن كلنا مفرطون.
ومن تلك اللحظة أقبلتْ على الصلاة والصوم والعبادة ، فكان زوجها يقول بعد ذلك : ما لي ولِعُبيد بن عمير ؟ فقد أفسد عليّ زوجتي ، كانت كل ليلة عروسا ، فحولها إلى راهبة متبتلة لا حاجة لها في أي أمر من أمور الدنيا.