مأساة طفل صغير متشرد في شوارع العاصمة(الجزء 2)

اثنين, 20/07/2020 - 15:59

غادرت المكان وفي نفسي غصّة من ألم وحزن ..

خطوتُ خطوات متثاقلة....

خطواتِ مَن يجر سلاسل الحديد في قدميه..

أكلم نفسي تارة...وأرمق الطفل بطرفي تارة أخرى..

ابتعدت ...توارى عن ناظري..

أنا مسافر بعد يومين خارج الوطن...لا أعلم كم سأغيب

كنت منهمكا في الترتيب للسفر ومتطلباته..

أأسافر وأتركه دون أن أعرف سره ..وأقدم له ما أستطيع..

مالي ولطفل متشرد...وكيف أُشغل نفسي بما لا يعنيني؟

صراع بيني.. وبيني..لا ينتهي حتى يبدأ..لكنه لا يصل إلى نتيجة مقنعة تريحني..

المشكلة أنني لم أستطع التخلص منه...خياله يلاحقني..

حاله...حالته...عيونه الغائرة..منظره الحزين...دموعه المنسابة...مطاردة دائمة...أسئلة حائرة..

فجأة...شعور بالخوف والرعب ينتابني....لماذا؟

لست أدري...

تركت كل شيء....عدت مسرعا حيث تركته...

هذه المرة ..جلبت له ملابس وأحذية رياضية اشتريتها منذ لحظات..

أريد أن يأنس بي...أن يحدثني عن مأساته...قررتُ أن أساعده..أن أنتشله من حالة البؤس والضياع..

لمحتُ تجمعا على ناصية الشارع...سمعت جلبة....أسرعت...

دون شعور...رميت ما كان في يدي...ركضت..

تسمرتْ قدماي...تسارعَ نبضي...رأيت وجهَ الصبي ..دماء غزيرة تسيل من جبينه..

يالله...يا للهول.....ما الذي حدث؟!!!

رميت بنفسي عليه..حملته بين ذراعيّ..صرخت...بكيت بصوت مرتفع..سمعت مَن يقول : كان يهم بقطع الشارع فصدمته سيارة مسرعة...

في الطريق إلى المستشفى ...رفع بصره الى السماء..فرحتُ..سألته : بُنيّ أين أسرتك...

تبسم ابتسامة دامعة...ابتسامة من أدرك الحقيقة...مَن شاهد الحق..

أسرتي؟

أمي ماتت منذ سنوات...

أبي في الأسر..لا أدري أحي هو أم ميّت...

أنا لاجئ من عرب أزواد...

ثم....ثم ...........سَكَنَ جسمه النحيل...سكتَ صوته المبحوح....وضع يده في يدي...ضممتها إلى صدري...

أقبلتُ عليها لثما وتقبيلا..

مضت مشيئة الله....

أجّلتُ سفري أسبوعا لأنني لم أستطع نسيان ما حدث...

ضاع كل شيء...حتى الملابس الرياضية والاحذية ضاعت...

تلك قصة من مئات القصص المأساوية التي تمر بها الشعوب الواقعة تحت وطأة الحروب واللجوء والتشرد.

 

بقلم/ محمد محمود ولد محمد الامين

ملاحظة : حصلت هذه القصة على الاشادة والاعجاب من قِبل عدد من الكتاب والروائيين من داخل البلد وخارجه ,وكنت قد نشرتها قبل سنتين بالضبط ,وأعيد نشرها اليوم ـ بعد أن ذكرني بها السيد/ مارك ـ ولأن الامور لم تتغير كثيرا ,وما زال التشرد واللجوء موجودين كما كانا ,وربما أكثر.

لقراءة الجزء الاول اضغط هنـــــــا

       

بحث