روى مسلم في صحيح عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة».
في هذا الحديث الشريف ـ وقفة تربوية نبوية مع أفراد أمته المسلمة، التي نالت شرفاً عظيماً عندما تلقت تربيتها ـ في كل مجالات الحياة ـ من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والحديث الشريف رغم بساطته في معناه، ووضوحه في مغزاه، فإنه شكّل بعداً استراتيجياً عميقاً، غاية في الأهمية، لارتباطه بصناعة مستقبل هذه الأمة المسلمة، وتحديد مكانتها بين الأمم، وبيان ذلك يظهر في تلك الدعوة الحميمة التي أطلقها هذا الحديث لأفراد الأمة للاهتمام بالزرع الذي يشكّل صمام الأمان الحقيقي لتوفير الغذاء، توفيراً ذاتياً، يغني المسلمين عن استيراد المحاصيل الزراعية من دول أخرى، «الأمة التي لا تملك لقمتها لا تملك عزتها».
قد تستغل حاجتهم لكي تتحكم بمواردهم وقراراتهم ومصيرهم، وقد تستغل حاجتهم فتصدر لهم محاصيل زراعية فاسدة، أو محشوة بالأمراض والأخطار مما يشكل خطراً على صحة الناس وحياتهم، وهذه الاحتمالات ليست ضرباً من الخيال، فقد أثبتت التقارير المخبرية التي أجريت على كثير من المواد الغذائية المستوردة من بلاد أخرى، أنها تحتوي على مواد ضارة وخطيرة على الصحة. ومن هنا يمكننا ان نعرف السبب الذي من أجله دعا النبي صلى الله عليه وسلم أمته للاهتمام بالزراعة،
واعتبر ذلك العمل من قبيل العبادة التي تجلب الثواب لصاحبها، وصدقة جارية يصل ثوابها ويمتد إلى ما بعد الموت، وهذه الدعوة للاهتمام بالزراعة تعتبر من مفاخر الإسلام التي أظهرت تقدم المسلمين في كل الميادين العمرانية خاصة في تأمين الثروة الغذائية التي يحتاجها الناس ومن الإرشادات اللافتة في هذا الحديث الشريف التي تشجع على الزراعة،
أنه جعل لصاحب الزرع صدقة على كل ما ينتفع من زرعه سواء أكل منه إنسان أو دابة أو طير، والأغرب من ذلك أنه جعل له ثواباً على ما يسرق منه سرقة، دون أن تكون له نية في نفع غيره من زرعه، فما أعظمها من دعوة لإقامة العمران، وتشييد الحضارة من خلال تشجيع المسلمين على الاهتمام بالزراعة، حتى تتحول بلاد المسلمين إلى بساتين وجنات، توفر الغلال،
وتؤمن فرص العمل للشباب وعندها تتمكن هذه الأمة من الاستغناء عن استيراد طعامها من بلاد أخرى قد تكون من أولئك الذين لا يضمرون الخير للمسلمين، وما أعظمها من وقفة تربوية اخرى للمسلمين ليحسنوا من مستوى البيئة في بلادهم من خلال الزرع والتشجير اللذين يلطفان الأجواء، وينقيان الهواء وفي ذلك نفع كبير يعود خيره على هذا الإنسان البائس في هذا العصر الغريب الذي أفسد الإنسان فيه مجالات كثيرة، أثرت على صحته وباتت تشكل عوامل خطيرة تهدده في كيانه ووجوده.
عبدالرحمن الطالب بوبكر الولاتي