قصة الصحابي الذي خان النبي وأفشى سرًا حربيًا

خميس, 26/12/2019 - 17:20

قبيل فتح مكة، كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يمكث في معسكره بين أصحابه، يعزم على أن يفاجئ أهل مكة بالغزو، وكان الأمر سرًا بينه وبين أصحابه، وكان في مكة مسلمون يخفون إسلامهم، وكان هدف الفتح كسائر فتوحات المسلمين هو دعوة الناس للإسلام ومنع الفتنة، حيث قال تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ". أما السبب المباشر لغزو مكة فهو نصرة من الرسول صلى الله عليه وسلم لحلفائه من خزاعة بعد اعتداء قريش وحلفائها عليهم وفقًا لبنود معاهدة صلح الحديبية التي تمت بين المسلمين وقريش، فكانت قريشًا من انتهك العهد، حيث أغار بنوبكر بمساعدة قريش على قبيلة خزاعة في السنة الثامنة للهجرة.

فماذا فعل حاطب بن أبي بلتعة؟

لم يلتزم حاطب بن أبي بلتعة بالسرية التي أضفاها النبي صلى الله عليه وسلم على الغزو، بل على العكس، أفشى سرًا عسكريًا، بل سرًا من أسرار النبي صلى الله عليه وسلم، معرضًا بذلك كافة المسلمين للخطر، فأرسل حاطب رسالة إلى قريش يعلمهم فيها بعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على غزوهم، لكن نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليخبره بما فعله حاطب بن أبي بلتعة، فأرسل الرسول عليًا بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة التي أرسل حاطب معها الرسالة، وبالفعل استطاعا الحصول على الرسالة قبل أن تصل المرأة مكة.

واجه الرسول حاطب بن أبي بلتعة بما في الكتاب، فما كان تبريره إلا أن قال إنه ليس له قرابة بقريش، وكل المهاجرين مع الرسول لهم أهل وعشيرة هناك سيحتمون بهم، فأراد أن يكون له فضل على القريشيين لكنه قال للنبي: "وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام"، فقال النبي لأصحابه: لقد صدقكم، لكن عمر بن الخطاب لم يقبل هذا العذر من أبي بلتعة بل رآه منافقًا وليس مسلمًا في شيء، وطلب من الرسول أن يدعه يضرب عنقه، فما كان من النبي إلا أن قال: “إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ‏ بَدْرًا؛ ‏وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ‏ ‏فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شئتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، وفي رواية أخرى أمر النبي فيها المسلمين بألا يسيئوا إلى حاطب: صَدَقَ حَاطِبُ بن أبِي بَلْتَعَةَ، فَلا تَقُولُوا لِحَاطِبَ إلا خَيْرًا.

وقد أعقب ذلك نزول الوحي بآيات القرآن الكريم من سورة الممتحنة يأمر الله فيه المسلمين ألا يتخذوا أعداء الله وأعداءهم أولياء، وقال الطبري في تفسيره إن تلك الآيات قد أنزلت في حاطب بن أبي بلتعة إثر إفشائه سر النبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.

كان حاطب بن أبي بلتعة صحابيًا جليلًا، وشهد مع الرسول غزوات كثيرة، وقال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" إنه كان من الرماة الموصوفين، وقد شهد أحدًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويروي حاطب أنه سمع من يصيح على الجبل ويقول: قتل محمد، فجاء إلى الرسول صلى الله فزعًا، يقول حاطب عن حاله حين سمع ذلك المنادي: "وكأن قد ذهبت روحي"، فأخبره النبي أن عتبة بن أبي وقاص هشم وجهه الشريف، ودق رباعيته بحجر، فسأل حاطب النبي إلى أين ذهب عتبة، فتتبعه ثم ضربه بالسيف، وقتله، ثم قطع رأسه، وأخذ عدته وفرسه وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي: رضي الله عنك مرتين..

  

         

بحث