من غير المألوف ، سخونة الشتاء ، فهو النافذة الوحيدة ، التي تمنحنا البرد ، وتلطف اجواء ارضنا الكالحة الحارة ، في معظم فصولها ، وحينما يتأخر موسم الشتاء تزداد سمرة الشعب، المميز بلونه القزحي، وبأحاديثه الشجية ،عن آماله وطموحاته ،وعن واقعه ،يوم ولد في منطقة احتكاك الاجناس البشرية ،والتضاريسية ،وتشبعت بعض اذهان طوائفه ، بالخرافات ،وتمسكت بتفسير ظواهره حسب هواها ،حتى شكلت صنفا نادرا من بني الاوطان ،احتكر خيرها ،وترفع عن ان يجعلها وطنا ،حتى طلعت على آفاق جمهوريته المستنسخة ، اجناس غير تقليدية رأت الصورة الثلاثية الابعاد ،واستفادت من عجز التحصينات العتيقة ،عن حماية إرثها المجذوذ ،والمزور ،فأختلطت الاطماع بالمخاوف واكتفى المنبوذ بحق المشاركة ،وتصدربقيرحق مشهد الوطن الممنون ،الى ان زاحمه المقصي الذي أُدخل حلبة الصراع ،لا من اجل البقاء وانما من اجل خطف الحقوق ،والتمتع بدفئ الوطن ،والمشاركة في تقرير وتطوير المصير ، حينها ادرك القراصنة الورثة ،أن رفاق الوطن نضجوا ،وان المطالب تمت اعادة تحديثها ،وان لا مفر من إعادة إنتشار تفتح ثقبا للواصلين الجدد وتضمن إستمرار الفوضى المدارة بدهاء شديد ومكر كبيروكيد مكيد، ساعتها انتهِبت المناصب السياسية واستنفذت العصابات كل الحيل من اجل البقاء في دائرة الاحداث فمواسم الوطن قد تتيح اعادة الكرة .
غير ان الموسم هذه السنة تزامن مع احداث سياسية وطنية شكلت اشاراتها الضبابية لغزا اجتهد على فك طلسمه ادعياء وطنٍ استساغت ثلةٌ من خطَّاف ألقه تفسيره حسب مزاجها القاصر المقتصر والمحدود ،فتهافت المتهافتون وانطلقت البيانات والتزكيات وسالت اودية المصالح بلعاب الطمع وانهمرت النصائح والتحذيرات وكأن المشهد من خمسينبات القرن الماضي ؛فهلا كبحتم فرامل الحياء فلقد كادت سحنة الوجوه تفضح المخفي وتصطدم بجدار الذكريات ومشاهد الواقع المنصرم منذ برهة فقط لايزال ازيز ماكنات انتاجه المتمسك بقائد مرحلته الناصعة ،تعكر حياء اقلية القوم وهم يرددون في صمت تارة وفي صراخ طورا ، اذا لم تستح فاصنع ماشئت وقد فعلت قبل النصح وبعده ، أفلا تتعظ ؟
حينما تقترب النهاية نتمسك بالحياة بأي شكل وبأي وسيلة فالخوف من النهاية يبرر وسائل دفعه بالنسبة لغير المؤمنين لذا فكل قشةٍ طوق نجاةٍ وكل نفق منبرومعراج ، لكن للوطن عدسة ضخمة تسجل بدقة كل سقطة وكل زلة تُسبب هوانا او تشوه صورة انسانٍ او تترك انطباعا غير لائق ،ولن ترضى ارادة التغيير الحديثة إتلاف الحصاد ولن تُجر الى كهوف ومغارات الاصطفاف ،فدرجة النضج امنت تمسك الشعب ونخبته الصادقة بمكتسباته وبنتائج كفاحه من اجل العدل والإخاء والمساواة واظن ان الفرصة الاخيرة مكنت كل المبعدين وكل الغائبين او المغيبين من الولوج الى حياض الوطن لأن عرصات معاطنه تؤكد ذالك .
حينما دخل رئيس البوسنة الراحل علي عزت بيجوفيتش الى المسجد لاداء الصلاة فُتحت له الصفوف حتى وصل الى الصف الاول ،التفت اليهم قائلا : ــ هكذا تصنعون طواغيتكم ــ لأننا حينما لا نحترم المعايير وحينما لا نحترم جهدنا ونتجاوز مصالحنا الخاصة لنؤمن مصالح الوطن سنظل ندور في كنه الغرائز ونتخبط في سياج الطمع وحظائر التقصير وهي أمارات الفشل وتأكيد العجز و رفض التطور ولا اظن ان أي امة تحارب القدر ومشيأته لان الحياة تفرض التغيير وتدعو للتطور وتنبذ الفشل وترفض العجزوالهوان ومن ظل يلوك الشعارات ويتعلق بالانماط العتيقة المعيقة سيبقى ابد الدهر بين الحفر وهي منازل الضعفاء والجبناء ولا احد يرضى ان يكون ضغيفا ولا جبانا فرجاء لنطور سوية طرق دعمنا وتأييدنا فنحن اصحاب الحق الحصري في قرارنا لكننا لسنا احرارا في تلطيخ سمعة ولا مكانة البشرية التي كرمها الله على غيرها من مخلوقاته وقد أثرنا بإندفاعنا على درجات حرارة موسم الشتاء الذي انتظرناه طويلا وليس من حقنا أن نحرم منه أي مشتاء