أخي العزيز د. محمد الناجي المحترم
لقد قرأت مقالكم الأخير تحت عنوان: رد على عينين والذي اعتذرتم فيه عن أن الشخص الذي دافعت عنه ليس أنا، وأنا أعرف قطعا أنه ليس أنا، فمن جانبي أقبل منكم الاعتذار وأشكركم على التغريظ الذي عبرتم لي عنه، غير أني لاحظت أنكم قرأتم أسئلتي قراءة معكوسة، فهي ليست أسئلة استنكارية بل تفسيرية، فأنا إذا لم أكن أعرف أين كنتم آنذاك فمعناها أني لم أكن أعرف أين كنت أنا، فنضالكم ليس محل جدال، ومواقفكم لم تكن يوما اعتباطية، فهذا كله لا مراء فيه ولا جدال، وأغلق من جهتي هذا الملف إلى الأبد، لكن غلقه لا يمنعني من أن أبدي ملاحظات أراها ضروروية في الوقت الحاضر أكثر من غيره لأنها مصيرية:
الملاحظة الأولى: أن الأعضاء المؤسسين لم يجتمعوا ويتفرقوا، بل كانوا كلهم في الميدان يعمل كل منهم على بناء الحركة وتوسعها، غير أن وجودهم لم يمنع من أن مناضلين كثر قدموا تضحيات وقاموا بأعمال بطولية ربما أفضل منهم، ومع أنهم ليسوا معصومين من الاخطاء، كما قلتم بل والانحراف، إلا أنهم كل حسب موقعه شارك في التنديد بمذبحة عمال ازويرات 29 مايو 1968 فالنقابيون منهم شاركوا في إصدار بيان نقابة المعلمين العرب وسجنوا وأنت من بينهم، ومنهم من قاد مظاهرة وعقد مهرجانا قبالة مقر حوب الشعب حيث كان رئيسه يلقي خطابا يبرر فيه العملية الإجرامية، وبقوا كلهم في معمعان النضال حتى فرضوا القيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التي ما زالت قائمة حتى الآن، تأميم الشركات والبنوك الغربية وإنشاء عملة وطنية وترسيم اللغة العربية وكتابة لغاتنا الوطنية الأخرى...، ولن أتكلم عما وقع بعد ذلك، فسأتركه للتاريخ، لكن الذي لم أكن أتوقعه، ولست وحدي في ذلك، هو أن مناضلين في الحركة الوطنية الديمقراطية يحاولون اليوم بكل ما أوتوا من قوة محو أي علاقة للحركة بحزب اتحاد قوى التقدم،أليس كل مؤسسيه ومناضليه كانوا وما زالوا يفتخرون بانتمائهم لها، كما يوجد من خارجها من يحترمها ويعتبر أنه لا غنى عن متابعة خطها النضالي لأي ديمقراطية.
الملاحظة الثانية: وأراها أهم من التجاذبات الجارية الآن والتنابز بالألقاب، هي أن النقاشات الفكرية التي يجب القيام بها اليوم لا ينبغي أن تدور حول من خلق للقيادة ولا من بني عليها، لأن الكل، كل حسب نظره، خلق للقيادة، ولا أحد يمنعه من ذلك، بل يجب أن تدور حول خط الحزب واستراتيجيته وتكتيكاته وما إذا كانت تتواءم والوضع الحالي المحلي والجهوي والدولي أم لا؟ فهذه هي الأولوية بالنسبة له حسب رأيي المتواضع، لا الدخول في مهاترات لا تقدم بل تؤخر .
الملاحظ الثالثة: هي أن النقاش حول من خلق للقيادة ومن لم يخلق لها، ومن قاد ومن لم يقد في السابق، لا يفيد لا الشعب الموريتاني، الذي نعتبر أنفسنا ندافع معه عن مصالحه، فهو بحاجة إلى تحسين ظروفه المعيشية والصحية والتعليمية والبيئية وإرساء العدالة الاجتماعية، أما من خلق للقيادة ومن لم يخلق لها فهذا آخر ما يعنيه، ولا يفيد الحزب في حل أزماته الخانقة التي لا يمكن الهروب منها ولا تجاهلها، فنحن بحاجة إلى نقاش أعمق وأكثر جدية من أن فلانا خلق للقيادة وفلانا لم يخلق لها علنا نصل إلى حل ينقذ ما بقي من سمعة الحزب وخطه ونحافظ على وحدته التي لا غنى له عنها.
الملاحظة الرابعة: هي أن أقلام الكتاب والمفكرين والخبراء السياسيين والمجربين يجب أن تنصب حول الخط والمبادئ التي يجب أن نسير عليها ونتركها للأجيال اللاحقة لتنطلق منها وتحسنها وتوائمها مع ظروفها الخاصة الموضوعية، لا أن تنحرف تلك الأقلام ومن معها وتفرغ الكثير من الكلام حول مسائل جد جانبية إن لم أقل مختلقة، فأزمة الحزب هي من وجهة نظري، المتواضعة، تكمن في:
1. معرفة: من نحن؟ هل نحن حزب يساري تقدمي ثوري سواء قاده من خلق للقيادة أو غيره؟ أم نحن حزب ليبرالي ينتمي إلى الطبقات الليبرالية ويدافع عنها؟ سواء من قاده أو من لم يقده. أم حزب قومي يجب أن يقوده قوميون ويقصوا الآخرين؟
2. هل القيادة عندنا جماعية أم فردية؟ ومدى ارتباطها في اتخاذ قراراتها المصيرية بالقاعدة ومدى إشراكها لها في اتخاذ تلك القرارات؟ أم أنها خلقت للقيادة ونترك لها الحبل على الغارب فهي معصومة من الأخطاء ونحن نطبق قراراتها المعلبة التي ترسلها إلينا دون إبداء أي رأي أو ملاحظة؟. أليست هذه هي قمة الدكتاتورية والأحادية؟.
3. هل نحن في صندوق مغلق أم نحن في حزب ديمقراطي يود التوسع داخل الفئات الحية في المجتمع؟ فلما ذا لا نشرك فئة الشباب المثقف في نقاش الخط والمبادئ التي يتبناها الحزب عل وعسى أن ينخرط فيها البعض، وأخيرا هل نحن نتبنى أيديلوجية تقدمية أم ما ذا؟ فليس من حزب سياسي إلا ويتبنى إيديلوجية معينة.
أتمنى لكم الشفاء والعودة للوطن الذي هو بحاجة لكم كما أنتم.
محمد عينين أحمد الهادي
لمطالعة مقال محمدو الناجي محمد أحمد الثاني اضغط هنا