في الوقت الذي كنت أتابع فيه بأسى وحزن آخر تطورات المشهد السياسي الدولي بعد الحادث الأليم الذي تعرضت له منشأة أرامكو في المملكة العربية السعودية الشقيقة فوجئت بمقال منشور على وسائل التواصل الإجتماعي منسوب للمستشار القانوني السعودي الأستاذ : عبد العزيز محمد عبد الطيف يتحدث فيه عن المشاكل التي تعاني منها الجامعة العربية ، وقال إنه يعتقد أن من مشاكل الجامعة العربية عضوية دول غير عربية وذكر أربع دول من ضمنها السودان وموريتانيا قائلا : إنه ليس مقتنعا بأن هذه الدول يمكن إعتبارها بلدانا عربية، وأنها طبقا لتكوينها العرقي وتضاريسها الإثنية لاتنتمي إلى العروبة لغة أو تراثا تاريخيا وأنها ليست عربية المشاعر أو الرؤى...
وفي تصوره لجامعة عربية ناجحة ذكر أن الجامعة العربية تعني دولا عربية منسجمة ومتسقة يربطها تراث وقيم ومشاعر عربية حتى تتمكن من وظيفتها في خدمة العروبة قائلا : إنه يعتقد أن هذا الجمع الغير منسجم من أسباب إخفاق الجامعة. وإن من صالح الجامعة والعرب إعادة النظر في العضوية...
السيد المستشار المحترم سأرد عليك من خلال النقاط التالية :
أولا- إنما كتبته يظل وجهة نظر يحتاج إلى أدلة وبراهين خاصة فيما يتعلق بمشاعر ورؤى مواطني هذه الدول التى ألمحت إلى أنها شعوب منافقة وأنت كرجل قانون أدرى بخطورة إتهام كهذا لاتسنده أدلة ذي مصداقية ومع ذلك فنحن نحترم لك وجهة نظرك لإصلاح الجامعة.
ثانيا-إنني كنت عاتبا على القيادة السعودية الجديدة رغم إحترامي للسعودية قيادة وشعبا وتمنياتي لها أن تنال كل خير وأن تجد حلا لها مشرفا مع كل من أشقائها في اليمن وقطر وجيرانها في الخليج العربي وأن ترفع حصارها عن الشعب القطري الشقيق لها على الأقل مادمنا نحن لسنا عربا قيما وتراثا ومشاعر ورؤى كما زعمت أنت.
إن عتبي على القيادة السعودية قد زال بعد قرائتي لرؤيتك لإصلاح الجامعة العربية لكن حل محله للأسف الشديد إشفاقي عليها، فإذا كانت هذه القيادة محاطة بمستشارين يماثلونك في الرؤى فإنها لاتستحق العتب وإنما الإشفاق والتعاطف والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ليحفظها من عواقب ماتشيرون به عليها.
ثالثا- إنني مع إحترامي لنظرة كل دولة عربية لشعبها إلا أنني أؤكد لك وللقارئ العربي_ وأنا أعني ماأقول _ أنه لاتوجد دولة عربية واحدة بما في ذلك دول الخليج الست جميع مواطنيها عربا مئة بالمائة ، فهناك مواطنون أرمنيون وأكراد وتركمانيون وإيرانيون وباكستانيون وشركسيون وبلوشيون وزنوج وهنود وأمازيغ وأقباط وغجر وإيزديون ومسيحيون ويهوديون كما توجد جاليات معتبرة أصولها إما هندية أوإيرانية أو باكستانية أو بنغالية أو سيريلنكية في دول الخليج يطلقون عليها (بدون) وهي تعتبر شريحة هامة من المجتمع الخليجي. وهذه الإثنيات الموجودة في جميع الدول العربية لم تفقدها عروبتها ولم يقل أحد قبلك أنها سببا في فشل الجامعة العربية.
رابعا_ أذكرك بمواقف موريتانيا قبل دخولها للجامعة العربية وبعدها إن كنت جاهلها أو متجاهلا لها ليتضح من خلالها إن كانت عربية المشاعر أو الرؤى ، فعندما كانت موريتانيا لاتزال تحت الإحتلال الفرنسي ولها ممثل في برلمانها هو حرمه ولد ببانه و استضاف هذا البرلمان رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك ( كولدى مائير ) إحتج على هذه الإستضافة ولد ببانه وخرج من مقر البرلمان رافضا مصافحتها.
وبعد عدوان 1967 على مصر وسوريا والأردن قطعت موريتانيا علاقاتها الدبلوماسية مع أمريكا لتأيدها دولة الكيان الصهيوني تعبيرا عن تضامنها مع الدول العربية الشقيقة التي تعرضت للعدوان.
وتحرك الرئيس الموريتاني آنذاك الأستاذ المختار ولد داداه في القادة الأفارقة الذين يقيمون علاقات مع الكيان الصهيوني حتى أقنع معظمهم بقطع علاقاته بهذا الكيان،كل ذلك حصل يا سيادة المستشار و موريتانيا خارج الجامعة العربية التي لم تنضم إليها إلا في مؤتمر (اشتوره) بلبنان سنة 1973 بطلب من الدولة التي كانت تعارض إنضمامها لأسباب سياسية معروفة،فهل تستطيع أن تذكر لي دولة عربية واحدة وفقا لمنظورك الضيق الأفق قامت بقطع علاقاتها مع أمريكا بعيد عدوان حزيران 1967 سوى موريتانيا؟
خامسا-منذ ان حصلت موريتانيا على إستقلالها بتاريخ 1960/11/28 وهي تدعم جميع قضايا أمتها العربية وعلى رأسها القضية المركزية الفلسطينية التي ما فتئت منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا تضعها ضمن أولوياتها،ويمكنني القول وأنا في مأمن من الخطأ أن مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في موريتانيا الذي تحول فيما بعد إلى سفارة يكاد يكون المكتب الفلسطيني الوحيد في الدول العربية الذي لم يغلق منذ فتح في هذا البلد و كذا السفارة التي لم يضايق قط اي دبلوماسي من دبلماسيها عكس الحال في العديد من الدول التي إعتبرتها انت عربية المشاعر و الرؤى،كما أن الموريتانيين رغم ظروفهم الإقتصادية لم يتاجروا بدماء الفلسطينيين ولم يقبضوا فلسا واحدا ثمنا لمواقفهم السياسية بل
إنهم كانوا ولا يزالون حكومة وشعبا يقدمون لهم مايستطيعون تقديمه معتبرين ذلك واجبا قوميا و دينيا و أخلاقيا،وفي سبيل التخفيف عنهم وتسهيل أمورهم قامت السلطة الموريتانية بإصدار العديد من الجوازات لشخصيات فلسطينية بمن فيهم دبلماسيين أعضاء كبارا في منظمة التحرير الفلسطينية.
سادسا-عندما حاصر من تعتبرهم أنت عربا دون سواهم موريتانيا حكومة وشعبا لا لشيء سيئ فعلته وإنما لأنها عارضت تدمير العراق الذي كانت نتائج تدميره هي احتلال إيران لأربع عواصم عربية كما تبجح بذلك قادتها بالإضافة إلى تهديدها الآن لدول المنطقة بما فيها العربية السعودية الأمر الذي يثبت بعد نظر الحكومة الموريتانية آنذاك وسلامة موقفها الذي ترتب عليه رغم سلامته حشرها في الزاوية وخنقها سياسيا وإقتصاديا مما اضطر رئيسها إلى الإرتماء في أحضان الأمريكين الذين فرضوا عليه إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني عندها وقف الشعب ضده وظل يعارض ذاك التطبيع حتى تمت الإطاحة به وتم طرد الصهاينة من موريتانيا وإغلاق سفارتهم حيث إتجهوا إلى الدول العربية المتجانسة الرؤى المتطابقة المواقف التي لم تعد اليوم تعتبرهم أعداء لها لا لأنها قامت بتسوية القضية الفلسطينية معهم وإنما لأنها قررت تصفيتها وإدارة ظهرها لها .
وما فعله ولد الطائع وإن كان محل إدانة من جميع الموريتانيين إلا أنه قد فعله نهارا جهارا من فوق الطاولة ولم يكن من تحتها كما تفعله الآن الدول العربية المتسقة المشاعر والمبادئ والرؤى، كما أنه لم يؤثر على دعمه للفلسطينيين ولا أدل على ذلك من تنكيسه العلم الموريتاني أربعين يوما حدادا على أبو عمار.
سابعا_ السيد المستشار المحترم عليك أن تعيد النظر في تقييمك لفشل الجامعة العربية وتفتش جيدا بيعدا عن العواطف_ إن كنت تستطيع _عن من يقف وراء تدمير الجامعة العربية والدول الرئيسية المؤسسة لها ذات الوزن والثقل المحسوسين حينها لن تجد بالتأكيد واحدة من الدول الأربعة التي علقت عليها شماعة أخطاء الأخرين لألا أقول جرائمهم. فهذه الدول لم يتجرأ أي من زعمائها على القول إنه يؤيد إنشاء وطن لليهود المساكين في فلسطين ، ولم تدفع العراق إلى الدخول في حرب مدمرة مع إيران وتنسحب عنه في نصف الطريق بعد توريطه، ولم تنشئ بعيد إندلاع تلك الحرب مباشرة منظمة إقليمية موازية للجامعة العربية تهدف إلى تهميش دورها كما حصل ،وهو ماتسبب في ردة فعل تمثلت بإنشاء مجالس إقليمية كادت أن تكون بديلا عن الجامعة العربية التي لم يبق فيها خارج تلك المنظمات الإقليمية سوى ( سوريا ولبنان وثلاث من الدول التي إعتبرتها أنت غير عربية ).
هذه الدول يا سيادة المستشار لم تكافئ العراق في وقوفه ثمان سنوات في وجه إيران نيابة عنها بخفض أسعار البترول لتصل إلى ست دولارات للبرميل عشية نهاية تلك الحرب التي خرج منها منهكا إقتصاديا لتجبره على القيام بخطوة غير محسوبة لتقف عندها مع أعدائه الذين دمروه سياسيا وعسكريا وإقتصاديا وإجتماعيا وقتلوا قيادته القومية... كلا إن هذه الدول لم تفتح قواعدها العسكرية لتدمير العراق ولم تصرف سنتا واحدا من البترودولار لقتل أطفاله ونسائه وشيوخه وعلمائه ونهضته العلمية وبنيته التحتية والإجتماعية بل إن اثنتين من هذه الدول ( موريتانيا والسودان ) كانتا محاصرتين من قبل الدول التي دمرت العراق بسبب مواقف قيادتيهما الرافضتين لتدمير العراق خوفا من النتائج المترتبة على ذلك الماثلة أمامنا اليوم.
هذه الدول لم تحاول واحدة منها بعد تدمير العراق قضم أراض جاراتها الأصغر حجما وقوتا ( قطر والإمارات ) مطلع التسعينيات، ولم تغذي واحدة منها الأحداث التي حصلت في الجزائر وأسفرت عن تنحي الشاذلى بن اجديد ، ولم تشارك لافي تدمير ليبيا وقتل رئيسها ولا في تدمير سوريا ومحاولة التخلص من رئيسها ولم تكن سببا في طردها من الجامعة العربية التي لم تعد عضويتها بسبب تلك التصرفات الرعنى تشرف من بقي فيها.
هذه الدول يا سعادة المستشار لم تخذل لبنان 2006 عندما تعرض لعدوان إسرائلي همجي وحشي، إنها على الأقل نددت بهذا العدوان ونددت شعوبها ونزلت للشوارع تضامنا مع اللبنانيين، وكما أنها لم تخذل اللبنانيين وتصنف مقاومتهم مقاومة إرهابية لم تخذل الفلسطنيين ولم تعتبر حماس والجهاد الإسلامي عصب المقاومة الفلسطينية منظمتان إرهابيتان ولم تفعل ذلك بالإخوان المسلمين.
السيد المستشار كدت أنسى أن أذكرك إن كنت ناسيا أن هذه الدول لم تشن حربا على اليمن ولم تقتل طفلا يمنيا واحدا ولا شيخا ولا إمرأة لا في المساجد ولا في مجالس العزى ولا في المستشفيات ولافي الدور السكنية كما أنها لم تحاصرهم وتمنع عنهم الدواء والغذاء ولم تسبب لهم مرض الكوليرا. كما أنها لم تقم بقرصنة على الوكالة القطرية للأنباء ولم تفرض على القطرين حصارا لايماثله إلا ذاك المفروض على الفلسطنين في قطاع غزة.
سعادة المستشار إن هذه الدول لم تضغط على الفلسطينيين و الأردنيين لقبول صفقة القرن التي يعني قبولها التخلي عن القدس وحق العودة للاجئين وتوطينهم في بلدان أخرى وحل الدولتين ...كما أن هذه الدول الغير عربية كانت مؤيدة للزعيم القومي العروبي جمال عبد الناصر ولم تدعم الإخوان المسلمين لتقويض ملكه قبل أن تنقلب عليهم وتصنفهم إرهابيين كما أنها وقفت إلى جانب الزعيمين الشهيدين القوميين صدام حسين ومعمر القذافي وعارضت ما آل إليه أمر دولهما.
السيد المستشار هذه الدول لم تقم ببناء مطار في السودان على حقل من البترول خوفا من أن يتم إكتشافه،ذلك العمل الذي يبدو ظاهره-كما يقول الدكتور أحمد زكي يماني- مساعدة و باطنه كما نقول نحن من قبله العذاب و الخزي و العار .
هذه السياسة الغبية هي التي دمرت الجامعة العربية وشتتت دولها وجعلتها إسما بلا مسمى،وها أنتم اليوم تريدون المزيد من الإنقسام و التفكك في الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى مزيد من الإتحاد و التعاون و التضامن.
ثامنا -أما فيما يخص عروبة موريتانيا،فلا أعتقد أن من ينكرها ممن ينمي نفسه للعروبة يستحق الرد لأنه جاهل للتاريخ و الجاهل أحوج للتعليم منه إلى العتب،فبلاد تنجب مليون شاعر بالفصحى و مليون عالم بالفصحى ومليون فارس من العرب الأقحاح لا يضيرها إن قال امرؤ القيس أو زهير أو عمرو بن كلثوم أو غيرهم من فحول شعراء العرب أو نسابتهم كأبي بكر الصديق،وزغدر أنهم ليسوا عربا أحرى مادونهم ممن أنبأ عن نفسه و أظهر حدود معارفه.
وهنا نكتفي بقول شاعرنا الأديب الحسني:
إنا بنو حسن دلت فصاحتنا***
إنا إلى العرب العرباء ننتسب
إن لم تقم بينات أننا عرب ***
ففي اللسان بيان أننا عرب
و قول العلامة المختار بن بونا:
ونحن ركبٌ مـن الأشـراف مـنـتظــــــــــمٌ *** أجلُّ ذا الخَلْق قَدْرًا دون أدنـانــــــــــا
قـلائدُ الـمـجـد فـي أعـنـاقنـــــا نُظِمت *** عِقْدًا وكـنّا لعـيـن الـدَّهـر إنسـانــــــا
قَدِ اتَّخذنـا ظهـورَ العـــــــــــيس مدرسةً ***بـهـا نُبَيِّنُ ديـنَ اللّه تبـيـانــــــــــا
الدكتور المحامي /محمد سيدي محمد المهدي.
ملاحظة/ تم التصرف في عنوان المقال من قبل الموقع نظرا لطوله
والعنوان الأصلي هو : (السيد المستشار فتش جيدا عن من يقف وراء تدمير الجامعة العربية تجده في اليمامه)