مكافحة الفساد شعار يرفعه الجميع،الضحية و الجلاد و اللص المحترف،بل أصبح شعارا جذابا،يستهوي ضعاف العقول و يسهل ولوج اللصوص لفتح أكبر المخازن و استغلال النفوذ على أبشع الصور،و لا شك أن الجميع يتفق على رفع شعار مكافحة الفساد.
ففى فترة ولد عبد العزيز اقترح عليه البعض أن يتسمى برئيس الفقراء و الضعفاء و مكافحة الفساد،و لم يمنعه ذلك من ضرب أبشع صور الفساد فى مضمار استغلال النفوذ،فأصبح،على رأي البعض، أكبر تاجر فى البلد، و نافس التجار فى مهنتهم و خلق طبقة جديدة من رجال الأعمال،جلهم من أقاربه و ممن رضي له الحظوة فى بحر المليارات و الحصول على المنافع الواسعة،بصورة سريعة و فوضوية.
ثم رفع بعض البرلمانيين شعار مكافحة الفساد فى العهد الراهن،و شكلت لائحة بالمئات من المتهمين،انتهت بالعشرات،ثم بأفراد قلة،و تولى بعضهم لاحقا أعلى الوظائف و الرتب،بعد حفظ ملفه،و بقي عزيز وحده فى حفرة السجن و فى قلب الحدث المتحور،و كأن الآخرين بلا ذنب،و مازلنا و إلى اليوم ندخل السجن صاحب قنينة الغاز و نعجز عن عقاب المدان بالمليارات،بل و نكافأه بالتعيين و التبجيل!.
حتى الرئيس الحالي يجتمع بهم و يحثهم على مكافحة الفساد و يحث على إنجاز المشاريع و الصفقات و المقاولات،على أحسن وجه و جسر الحي الساكن فى شمال العاصمة،بمقاطعة تيارت،مازال و إلى اليوم يعرقل حركة المرور و قتل كل المتاجر و المرافق الخدمية المحيطة به،لكنه منذ بعض الوقت بدأ يقترب من نهاية أعماله، بعد قرابة خمس سنوات من الانتظار!.
و فى المجال المالي المصرفي لم يقتصر التوسع المصرفي على أقارب الرئيس الأسبق معاوية،و إنما ظهر مصرف لولد بوعماتو و قربه ولد الطايع و بعمق،كما فتح لولد بون مختار مصرفا و لجماعة أخرى من الحوض الشرقي،لكن قصب السبق فى ساحة البنوك كان لأقارب ولد الطايع و ولد بوعماتو فى ذلك العهد.
و بدأ الحديث الآن فى عهد ولد غزوانى عن أسماء مقربة عائليا منه،من خلال حالة البنك التركي الإسلامي،فهل استغلال النفوذ من خلال أقارب الرؤساء و المقربين منهم مسألة حتمية فى مثل دولتنا، ذات الطابع القبلي و الجهوي،ام أن ذلك يعبر عن إرادة فساد متعمدة و مقصودة؟!.
و رغم كل المعطيات مازال النظام الحالي يعبر باستمراررعن رغبته فى مكافحة الفساد،و ذلك على لسان الرئيس غزوانى نفسه و على لسان وزيره الأول،عند أكثر من مناسبة،فهل تتمكن الحكومة الراهنة من التجاوز بشعار مكافحة الفساد من الترويج إلى التنفيذ المقنع المتوازن المطبق،بعيدا عن التمييز و الانتقائية؟!.
و من اللافت أن يضيق صدر البعض بتدوينات يعرف لها أصحابها مبرراتها و مسوغاتها الواضحة،بينما يشجع المتلاعبون بالمال العمومي،و إن كان الرئيس لطالما أكد على ضرورة و حتمية مكافحة الفساد فينبغى حماية الصحفيين و تضييق السبل على نهبة المال العام،عسى أن تصبح مكافحة الفساد حقيقة ملموسة لا مجرد شعار.
قطاع بيع الذهب يحتاج للشفافية،قطاع الصيد يحتاج للشفافية،قطاع التعيينات يحتاج للشفافية،قطاع توزيع الأراضى الثمينة فى نواكشوط و نواذيبو يحتاج للشفافية،قطاع منح الصفقات يحتاج للشفافية،قطاع تقارب فرص الولايات و الأعراق و الشرائح يحتاج لشفافية كبيرة و منذ بروز الدولة و إلى اليوم بحاجة لشفافية حقيقية منصفة!،و غير ذلك. من القطاعات.
و نحن مطلعون على حث الرئيس و وزيره الأول على مكافحة الفساد و عند مناسبات متكررة،لكن متى ينجح رئيسنا فى تحويل هذه الدعوات المستمرة لمكافحة الفساد إلى واقع،و هل الدولة عاجزة عن مكافحة الفساد رغم قناعتها بجدية مكافحته أم أن لوبيات الفساد و عوامله المتنوعة المساعدة أقوى من جهود مكافحة الفساد؟!.
و من الجدير بالذكر أن الدولة تشجع عمل المفتشية العامة للدولة و نشر حصيلة محكمة الحسابات، لكن المدانين فى حالات كثيرة لا يقع عليهم العقاب،،و إن حصل ذلك العقاب يبقى مؤقتا على منحى تدوير المفسدين،حيث يعينون فى مناصب أخرى،و ما دامت هذه الدوامة فى هذه الحلقة الدورانية فلن يقتنع لصوص المال العام بخطر حقيقي يحجزهم عن حرمات البيضة العمومية!.
و لعلي عوامل كثيرة تدفعني لإحسان الظن بجدية الرئيس غزوانى فى مكافحة الفساد لكن مكافحة الفساد جديا فى هذه الدولة مسألة عسيرة،إلا بالحز فى المفصل.
عبد الفتاح ولد اعبيدن