كدولتين متجاورتين تجمع بينهما حدود برية تزيد على 2200 كليومتر وتنشط فيها العديد من الجماعات المسلحة، فإن حوادث الاختطاف والتهريب وحتى القتل لم تكن يوما سببا في شحن الأجواء بمزيد من الغليان الأمني والعسكري بين مالي وموريتانيا.
ولكن وسط تحولات سياسية عميقة تمر بها منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا، شهدت العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة تأزما كبيرا تجاوز الجانب السياسي إلى الأمني، حيث توالت التقارير في موريتانيا عن تعرض مواطنيها لقتل ممنهج على أيدي جنود الجيش المالي.
وفي الأسابيع الأخيرة تحركت الماكينة الدبلوماسية للبلدين وفتحت قنوات الاتصال بين القادة، لكن النتائج كانت زيادة حدة التوتر وعمق الفجوة بين الجارتين.
والسبت الماضي، حل في باماكو وزير الدفاع الموريتاني “حننه ولد سيدي” رفقة رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء أحمد فال ولد الشيباني، حيث التقيا الحاكم العسكري لمالي آسيمي غويتا وسلماه رسالة من الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
وقبل ذلك، استدعت الخارجية الموريتانية السفير المالي لدى نواكشوط وأبلغته احتجاجها على ما يتعرض له الموريتانيون على الحدود بين البلدين.
في يناير/كانون الثاني 2023 وردت تقارير عن مقتل 7 رعاة من موريتانيا في الأراضي المالية على يد الجيش المالي، فخرجت مظاهرات في مقاطعة “عدل بكرو” الموريتانية ( 1100 كليومتر شرق نواكشوط) تطالب الحكومة بتوفير الحماية والأمن للمواطنين.
وقد أرسلت السلطات الموريتانية حينها وفدا إلى باماكو للبحث عن خلفيات الحادث والظروف التي وقع فيها، وتعهد وزير الداخلية واللامركزية المالي بتعميق البحث والقبض على المجرمين، واستبعد أن يكون الجيش خلف هذه الأعمال واتهم جهات سماها بالماسونية بتدبيرها، في حين حاولت الصحافة المحسوبة على المجلس العسكري توجيه أصابع الاتهام للمخابرات الفرنسية قائلة إنها تهدف لإفساد العلاقة بين الجارتين.
وفي مارس/آذار 2023، أي بعد أقل من شهرين على الحادث المذكور، قُتل عدد من الموريتانيين في الأراضي المالية، فأعلن المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في باماكو عن فتح تحقيق وإرسال وفد إلى نواكشوط للتوضيح.
وحينها استدعت الخارجية الموريتانية السفير المالي وأبلغته باحتجاجها، وأصدرت بيانا قالت فيه إنها “أبلغت السفير المالي احتجاجا شديد اللهجة على ما تكرر في الآونة الأخيرة من أعمال إجرامية تقوم بها قوات نظامية مالية على أرض مالي، في حق مواطنينا الأبرياء العزل”.
وكان المجلس العسكري الحاكم بعث سابقا برسائل توحي بعدم التناغم مع سياسة السلطة في نواكشوط، إذ انسحب من مجموعة دول الساحل الخمس في مايو/أيار 2022، وقاد بعد ذلك حراكا ضدها.
وقد ظل التوتر مهيمنا على علاقات البلدين بسبب الأحداث الحدودية، وكذا تباين المواقف في القضايا الإقليمية والموقف من فرنسا.
وبعد فترة من رسائل التهدئة بين البلدين تم طي الملف دون الوصول لنتائج التحقيق الذي وعدت به مالي، ولم تقم موريتانيا أيضا بأي خطوة في اتجاه التصعيد.