لا شك أن الرد الإيراني ظل شغل الناس الشاغل خلال الأيام الماضية، هذا قبل وقوعه، وحين وقع انقسم الناس حوله فسطاطين:
- فسطاط يسخر منه ويعتبره مسرحية مكتملة المشاهد،
- وفسطاط يعتبره ردا مزلزلا غير قواعد اللعبة، وأصاب كبرياء الكيان الصهيوني في مقتل.
ولا شك أن الناظر بتمعن إلى هذين الرأين يجد أن لكل واحد منهما وجاهته، وذلك باعتبار الزاوية التي نظر منها كل طرف:
فالذين يعتبرون الرد الإيراني مسخرة ينظرون إلى محدودية خسائره، مقارنة بالضربة الإسرائيلية التي آلمت إيران وقتلت منها ستة عشرا فردا بينهم شخصيات وازنة في الحرس الثوري الإيراني وعدد من دبلوماسييها، بينما لم يسفر الرد الإيراني عن مقتل إسرائيلي واحد رغم الزخم الكبير الذي سبقه، ثم إنهم يقولون إن الضربة الإسرائيلية ضد القنصلية الإيرانية كغيرها من الضربات الإسرائيلية السابقة كانت مفاجئة ودقيقة ومؤلمة، بينما كانت الصواريخ الإيرانية معلومة الانطلاق والوصول، بل كانت - كما يرى البعض - بالتنسيق مع جهات محسوبة على إسرائيل، فقد اعترفت إيران أنها أخبرت الولايات المتحدة بأن ردها سيكون منضبطا ومحدودا وهو أمر غير مألوف في عرف الصراعات بين الأعداء.
كما يعتقدون أن الرد الإيراني قد صرف انتباه العالم عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل وترتكبها ضد سكان غزة وجلب لها تعاطف دولٍ كادت تنفض عنها بسبب جرائمها ضد قطاع غزة.
أما الذين يرونه ردا ناجحا فقد نظروا إلى رسائله لا خسائره، فهذا الرد وإن لم يْسقِط قتلى فإنه قد أسقط مجموعة من الرسائل، فلأول مرة في تاريخ الصراع الإسرائيلي الإيراني تنطلق صواريخ إيرانية من الأراضي الإيرانية تجاه الأراضي المحتلة، وفي ذلك إشارة واضحة إلى قدرة الترسانة الإيرانية على الوصول إلى إسرائيل، وهو تأسيس لقواعد اشتباك جديدة، وتجاوز للخطوط الحمر التي لم يتجاوزها الإيرانيون خلال عقود صراعهم مع العدو الإسرائيلي والذي ظل إيرانيا في حدود التراشق اللفظي والتهديد بالرد في مكان وزمان لا يأتيان غالبا،
كما كشف هذا الهجوم حاجة إسرائيل إلى الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، فقد استنفر الرد الإيراني أمريكا وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى، وبين للعالم كم هي عبء وعالة على هذه الدول مصداقا لقوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}.
كما أن التهويل الكبير قبل الضربة الأمريكية وأثناءها قد وضع العدو الصهيوني في حالة استنفار وشتت تركيزه وخفف من وطأته على قطاع غزة مما جعل البعض يقول إن ليلة الرد الإيراني كانت الليلة الوحيدة التي نام فيها أهل غزة دون قصف يقض مضاجعهم،
ولعل من رسائل وحسنات الرد تقوية الرأي القائل إن ما بعد طوفان الأقصى لن يكون كما كان قبله، وأن إسرائيل قد فقدت هيبتها بعد طوفان الأقصى الذي جرف السطوة الإسرائيلية وأسقط كبرياءها من عيون أعدائها وأصدقائها،
ومنها أن في هذا الرد تسلية لقوى المقاومة وتأكيد لغزة أنها ليست وحدها وأنها قد نجحت في أقلمة الصراع وتوسيع رْقَعه، وهو أمر قد يفرض على إسرائيل الجنوح للسلم والقبول بصفقة تنهي الحرب على غزة، فليس واردا أن تتجرأ إسرائيل في ظل ما تلقته من خسائر على يد القسام وبقية فصائل المقاومة على فتح جبهة أخرى سواء شمالا مع حزب الله اللبناني أو مع إيران دون تسكين جبهة غزة..
أخيرا، يمكن القول إن الهالة والحيصة اللتين سبقتا الرد الإيراني قد رفعتا منسوب الأمل فيه وهو ما لم يحدث في ظل محدودية الأضرار المترتبة عليه، ولكنه في الوقت نفسه مهد لتأسيس قواعد اشتباك جديدة وأخرج الرد الإيراني من الغيبة الكبرى التي دخلت فيها لعقود إلى الواقع ليلة الأحد 14 أبريل نيسان.
عبد الرحمن/ حنفي