تتعرض أمهاتنا وأخواتنا وعماتنا وخالاتنا وبنات إخوتنا وبنات أخواتنا وزوجاتنا وجاراتنا في المنازل والمكاتب والشوارع لنزوات بعض المنحلين أخلاقيا، بعد أن غلبت عليهم شهواتهم، تشجعهم في تلك الجرائم والموبقات منظومة قانونية ناقصة، وعقوبات خفيفة، وقضاء غير متمكن بجرائم الإعتداء الجنسي والإغتصاب، وبواقع و آلام ضحايا الإغتصاب وتدميره للفتيات والنساء وآثاره النفسية على الضحايا وأسرهن وعلى المجتمع.
الاغتصاب من أكثر الجرائم التي لا يتم الإبلاغ عنها، فأغلب ضحاياه يحسسن بالعار، وقلة منهن يجرؤن على رفع الشكوى والبوح بما حدث لهن، مخافة لومهن وإذلالهن والتبرئ منهن. وعندما تشكو أسرة إلى القضاء فإن المجرم غالبا ما ينجو من العقاب، خاصة إذا كانت أسرته ميسورة والضحية ضعيفة، حيث تدفع أسرة الجاني بعض المال لطي ملف القضية، ليعاود ابنهم جرائمه ضد ضحية جديدة.
كما أن ضعف معرفة بعض القضاة بالشريعة وبالقانون يتجلى في طلب إثبات الاعتداء الجنسي كما يثبت الزنا، وكأن المعتدي على سيدة أو فتاة سيفعل ذلك أمام الشهود. فسؤال الضحية من طرف القاضي عن البينة، واتهامها بالقذف عند عدم وجود شهود يعتبر نوعا من إيجاد الأعذار للجناة، وتحميل الضحية مسؤولية الاغتصاب.
قانون خجول لا يرقى إلى مستوى تفشي الظاهرة
ماهي عقوبة من يَحرُم بنتا أو امرأة من ميراثها ؟ كيف نأخذ على أيدي من يعضل امرأة عن حق قرره لها الشرع ؟ يقول ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة نقلا عن عمر بن عبد العزيز “يُحْدَثُ للناس من أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور”. و بما أن الفجور اشتد وعظم واطمأن الفجرة على أنهم سيفلتون من العقاب، خرجت أخيرا مسودة قانون خجول يقرر ما يلي :
– تشديد العقاب على مرتكبي جرائم الاغتصاب بفرض سجن أقله عشر سنوات لا عفو فيهن، ومنع الصلح مع المجرم.
– عقاب من يمنع بنتا أو امرأة من الميراث الذي فرض الله لها.
– عقاب من يعضل امرأة تجبرا عليها واستضعافا لها عن حق أقره لها الشرع كالعمل والتملك والحضانة (المادة 35).
– عقاب من يبتز امرأة أو فتاة أو ذويها من خلال صور أو معلومات بغية الزواج منها أو ارتكاب المحرمات معها.
– عقاب رؤساء العمل الذين يتحرشون بالنساء ويعتدون على شرفهن.
قانون مطابق لشرع الله
هذا القانون من صميم الشريعة الإسلامية، ولا يوجد فيه أي شيء مخالف للدين، وليس فيه مادة تحل حراما، أو تحرم حلالا، وليس فيه ما يمنع زوجا من ممارسة قوامته، ولا وليا من ممارسة ولايته، ولا ما يمنع الأب من ممارسة سلطته الشرعية والقيام بمسؤوليته. تلك افتراءات، على أصحابها التثبت. وكل هذا الكلام أباطيل نأسف أن تصدر عن المتكلمين باسم الدين، ملتمسين لهم الأعذار بالقول إنهم تأولوا النصوص خطأ. فالقانون موجه ضد المغتصبين، والجناة الذين ينتهكون حرمة الدين، ويعتدون على النساء دون الخوف من العقاب، حيث إن القوانين السارية تتساهل مع هذه الجرائم. لذلك يجب تحصين بناتنا و نسائنا وأسرنا ومجتمعنا ضد المعتدين، ممن لا حياء لهم ولا وازع من خلق ودين.
خطاب التنديد والكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالمرأة
والله إني لحائر من كل هذه الأصوات المعارضة لهذا القانون، لا نسمعها إلا إذا كان الموضوع يتعلق بالمرأة وبحقوقها، كأنها يجب أن تبقى رهينة المنظومة الذكورية الرجعية وضحية حوادث الاغتصاب والتحرش الجنسي الذي تعاني منه فتياتنا في الشارع والمكاتب والإدارات والأسواق والأماكن العمومية. يتحدثون دائما عن التبرج، وهو فعلا حرام، لكن كم خطيبا تكلم عن فواحش الإغتصاب ؟ فلا نسمع لهم صوتا ولو همسا ضد التحرش والاغتصاب ولا ضد عدم الالتزام بالنفقة ولا ضد الفساد والمفسدين ولا تنديدا بظواهر أكثر خطورة، كتزوير الأدوية والربا والبذخ، ولا كلمة حق عند سلطان جائر، ولا موقفا ضد الاستبداد والظلم والغبن والتهميش والاقصاء، ولا كلمة لمؤازرة المستضعفين والمظلومين. على العكس، ومنهم من يشيدون بأصحاب النفوذ والمال والجاه، ويشدون على أيديهم، ويكيلون لهم الشكر، وينثرون عليهم القصائد.
المفارقة أن أغلب من يعارضون مشروع القانون اعترفوا بأنهم لم يقرؤوه، مع أنهم كانوا يطعنون فيه بتحمس. الكثير منهم طلب مني على الخاص أن أرسل له نسخة من القانون. فقط أنصتوا لخطاب داعية، لم يقرأه هو الآخر، أو لصانعي محتوى ديني لم يقرؤوه بدورهم، يرددون بعض المبادئ العامة حول مكانة المرأة في الإسلام، ونظرية المؤامرة حول خطر الغرب.
والحقيقة أن من يعارضون هذا القانون يقفون، بغير علم وأحيانا بنية صادقة، في صف المغتصبين. هناك فريقان. فريق يساعد بنات هذا المجتمع و نساءه و يحارب المغتصبين والمتحرشين وفريق يريد بقاء الأمور كما هي.
لقد عجزوا جميعا عن تحديد المواد والإجراءات المخالفة للشريعة في هذا القانون. إنهم فقط يرددون خطابات رنانة وفارغة ويتشدقون بمواقف عدائية ضد الغرب. أغلب المبررات التي يصوغها المعارضون لهذا القانون هي أن مصدره مستلهم من الغرب، وكأن الإسلام لا يصون ويحصن ويضمن حقوق المرأة ويحمي جسدها من افتراس المعتدين. مع أن الاقتباس في حد ذاته ليس حراما، مادام ما تم اقتباسه غير مخالف للشريعة. ومنهم من يرافع ضد وجود لفظ “الجنس” في القانون على أنه يشمل المثليين. في حين أن مصطلح الجنس معرف في القانون الموريتاني على أنه الذكر والأنثى، ولا مجال لتأويل غير ذالك. ومع ذلك، هل سمعنا عالما أو داعية يندد بظاهرة المثليين الذين يتصدرون المجالس في مجتمعنا ؟ هل يمنعهم من ذلك كون هؤلاء المثليين ينتمون إلى جنس الذكور، هذه الفئة المحصنة في هذا المجتمع الذكوري الناقم على النساء والذي يعتبرهن أداة لاشباع الغرائز.
الوضع كارثي ويتطلب قانونا أكثر صرامة
إذا أردنا القضاء على مل هذه الظواهر، فعلينا أن ندرك أن هذا القانون ليس محاكاة للغرب، لأنه بعيد كل البعد عن القوانين الغربية التي تحصن النساء ضد العنف بصفة راديكالية، وأنه ناقص جدا ولا بد من إكماله بالإجراءات التالية :
– إنشاء محاكم خاصة بجرائم الاغتصاب يقضي فيها قضاة مكونون على هذه الجرائم و على الاستماع للضحايا.
– تفعيل الحكم الشرعي بإلحاق الأبناء بالمغتصب، إذ ليسوا أبناء زنا، وإنما آباؤهم مجرمون معتدون تقع عليهم نفقة أطفالهم وتحمل مسؤوليتها.
– مساعدة ضحايا التحرش والإغتصاب ومؤازرتهن في مواجهة تداعيات هذه الظاهرة.
– تغليظ العقوبات حتى تكل رادعا قويا.
وفي الختام، يعرف الجميع أن القوانين لا تطبق في بلادنا بصفة صارمة، سواء تعلق الأمر بمحاربة الفساد والسرقة والقتل وتبييض الأموال والأدوية المزورة، ولا حتى قوانين المرور، فما بالنا بقوانين مخالفة لشرع الله، خاصة أن القضاء يعتبر من أكثر القطاعات محافظة، والقضاة أغلبهم من خريجي “المحاظر”، لذلك هم مؤتمنون عل الشرع، ولن يطبقوا قانونا يخالفه، كما لن يؤولوه إلا تماشيا مع تعاليم الشريعة الإسلامية.
محمد المنير
دكتور في العلوم السياسية
موظف سابق في الأمم المتحدة