المحامي ولد إشدو يكتب : الانقلاب القضائي (عمل النيابة العامة والضبطية القضائية )

جمعة, 01/12/2023 - 20:17

وبرغم الحملة الإعلامية المغرضة الممولة والموجهة التي واكبت صدور تقرير “لجنة التحقيق البرلمانية”، فقد جاء تقريرها خاليا من توجيه أي اتهام للرئيس محمد ولد عبد العزيز رغم ما بذله رئيسها من جهد مستميت في العثور على ما يؤسس به اتهامه (مسرحية جزيرة تيدره مثلا) ورغم حرص جل أعضائها المعروفين بعداوتهم للرئيس محمد ولد عبد العزيز على إيذائه! إلا أنهم كانوا يدركون جميعا أن لا سبيل إلى ذلك دون وجود بينة على ارتكابه الخيانة العظمى. وهذا ما صرح به نائب رئيس تلك اللجنة معالي الوزير الأول الأسبق الأستاذ يحي ولد الوقف الذي رفض التحقيقُ ورفضت محكمتكم الموقرة استدعاءه والاستماع إليه في هذه المسطرة.. حين قال: “عندما ينظر الإعلام إلى التقديم الذي قدم به النواب عملهم يرى أنهم لم يتكلموا عن العشرية، ولا عن النظام، ولا عن الرئيس. تكلموا عن قطاعات معينة يريدون التحقيق فيها. ثم إن رئيس الجمهورية ليس مسؤولا بشكل مباشر عن التسيير؛ فالدستور واضح في أنه لا تمكن متابعته حول تسيير أي مرفق من المرافق العمومية. فحسب الدستور لا تمكن متابعته إلا في حالة الخيانة العظمى. فالإعلام ركز على العشرية وعلى النظام.. وأخرج اللجنة عن نسقها الحقيقي”. (مقابلة مع الأخبار في 01 فبراير 2020)

 

ومع ذلك كله، فقد استمر الاستهداف والتمالؤ المبيتان من طرف تحالف قوى داخلية وأخرى خارجية استعمارية وصهيونية، ظلت تعمل في الظلام على الانتقام من الرجل. وقد مثل تحالف المعارضة – وخاصة حزبي تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم- ظاهرها الشبيه بظاهر جبل الجليد. واستمرا يضغطان من أجل تحريك الملف وإحالته بعد أن اختلقا له الأسباب “القانونية” (“الاستشارات والنظريات القانونية” و”الخطط التآمرية” و”فريق دفاع عن الدولة”) بواسطة قياداتهما في سلك المحاماة وبعض حاضنتهما الاجتماعية من محامين وقضاة.. ومن شهود أيضا!

 

وفي نهاية هذا المطاف، أحيل تقرير “لجنة التحقيق البرلمانية” إلى وزارة العدل!

 

ومن خلال شهادة وزير العدل السابق الدكتور الأستاذ حيمود ولد رمظان أمام محكمتكم الموقرة يوم الثلاثاء 14/10/2023 تجلت بعض ملامح الانقلاب الذي أحدثته تلك الإحالة، وانجلى بعض غوامض هذا الملف المزور!

 

يقول معالي الوزير السابق إن تقرير “لجنة التحقيق البرلمانية” وصل إلى وزارة العدل بطريقة غير رسمية! (أي عن غير طريق وزارة العلاقات مع البرلمان) وأنه دعا طاقم وزارته لدراسته فعكفوا عليه ثلاثة أيام، وأجمعوا حوله على ثلاثة أمور هي: وحدة الجانب وعدم الموضوعية والتأسيس، أنه لا يوجد فيه ما يدل على ارتكاب أفعال مجرمة، أن رئيس الجمهورية السابق غير معني به من قريب أو بعيد لأنه يتمتع بحصانة مطلقة بموجب المادة 93 من الدستور، ولأن التقرير لا يوجه إليه أي اتهام! وقد حمل معالي الوزير هذه الخلاصة إلى رئيس الجمهورية الذي تفهمها وطلب منه أن ينقلها إلى الوزير الأول، وأن يحيل التقرير إلى النيابة العامة ويتابع الموضوع، ففعل. وكانت إحالته للتقرير يوم الأربعاء 5/8/2020 و”من أجل القيام بإجراءات المتابعة اللازمة”.

 

وبإحالة تقرير “لجنة التحقيق البرلمانية” إلى النيابة العامة بأمر من رئيس الجمهورية لوزير عدله، جرى انقلابان ناعمان في موريتانيا:

 

الانقلاب الأول: وهو انقلاب سياسي قامت به السلطة التنفيذية على نفسها. أو قام به بعضها على بعض! وقد تمثل في إقالة حكومة المهندس إسماعيل ولد الشيخ سيديا يوم 06/8/2020 أي في اليوم الموالي لإحالة التقرير إلى النيابة العامة. وورد في “ويكيبيديا” حول إقالة الحكومة ما يلي: “في 06 أغسطس 2020 استقالت حكومة المهندس إسماعيل ولد الشيخ سيديا بعد إحالة تقرير لجنة تحقيق برلمانية إلى القضاء الموريتاني، للنظر في ملفات فساد شملت ذكر أسماء وزراء في الحكومة (من بينهم اسم ولد الشيخ سيديا نفسه) بجانب عدد من كبار المسؤولين في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ليكلف المهندس محمد ولد بلال بتشكيل الحكومة الثانية في عهد الرئيس محمد ولد الغزواني، وقبل يومين من إعلانها استدعي ولد بيه على وجه السرعة من سلطنة عمان التي كان يتولى سفارتها، وسط تكهنات بدخوله الحكومة الجديدة، وفعلا حينما أعلن عن الحكومة أوكلت مهمة الوزارة السيادية الأهم فيها (وزارة العدل) له”. وقد جرى هذا الانقلاب خرقا لنصوص الدستور الموريتاني، ولنظام الجمعية الوطنية الداخلي الذي يزعم دفاع النيابة أنه قانون نظامي تارة، ومكمل للدستور تارة أخرى! ذلك أن أركان النظام وأطر الدولة ووزراءها الواردة أسماؤهم في التقرير المشؤوم، خرقت في حقهم المادة 136 من النظام الداخلي التي تنص حرفيا على ما يلي:

 

“1. للجمعية الوطنية أن توجه اتهاما للوزير الأول و/ أو لأعضاء الحكومة أمام محكمة العدل السامية طبقا لأحكام المادتين 92 (جديدة) و93 (جديدة) من الباب الثامن من الدستور.

 

2. لا يعتبر قرار المتابعة وكذا الاتهام نافذا إلا بعد التصويت عليه بالأغلبية المطلقة من الأعضاء المشكلين للجمعية الوطنية في اقتراع علني. وفي هذه الحالة، يقدم الوزير الأول أو عضو – أو أعضاء- الحكومة المتهمون استقالتهم”.

 

       لقد تم الاعتداء (ممن؟ وكيف؟) على رئيس الحكومة والوزراء الواردة أسماؤهم في التقرير ولطخت سمعتهم، وألقوا في الشارع وسجن بعضهم وحوكم؛ وكان عزاؤهم في هذه المحنة أن قدمت لهم مواساة لفظية على لسان مدير ديوان رئيس الجمهورية في بيان تلاه بهذه المناسبة “بأن من برئ منهم سيعاد له الاعتبار”! في حين أنهم لم يتهموا أصلا من طرف الجمعية الوطنية (البرلمان) التي تملك وحدها حق اتهامهم! وكل ما في الأمر أن أسماءهم وردت شططا وظلما وبغيا متعمدا في تقرير باطل صادر عن لجنة فضولية غير قانونية. ولم تجر في حقهم قط إجراءات الاتهام المنصوصة في الدستور (المادتان 92 و93) وتلك المنصوصة في المادة 136 من النظام الداخلي (“المكمل للدستور” حسب قول النقيب)! بل ظلموا ظلما شنيعا، لسبب بسيط، هو أنه كان عليهم أن تتم تصفيتهم لعدم صلاحيتهم للمرحلة الجديدة، مثلهم كمثل وزير العدل الدكتور حيمود ولد رمظان الذي شكل رأيه القانوني الصريح عقبة في طريق الانقلاب، وأن يتركوا مقاعدهم لآخرين يصلحون للمرحلة طال وقوفهم في الطابور انتظارا لدورهم في اقتسام الكعكة الوطنية!

 

يتواصل …..

  

         

بحث