منذ أيام قليلة قام صديقي المفكر المصري وباحث الدراسات الثقافية د أيمن بكر رئيس قسم اللغات بجامعة الخليج بالكويت بنشر مقال تقوم فكرته الأساسية على أن العودة بالزمن وإعادة رؤية الأحداث التاريخية مرة أخرى ربما تمنحنا رؤية جديدة لم تكن لدينا مسبقا، وهو ما يتشابه مع تقنية الفار المستخدمة حديثا في كرة القدم، وأشار في المقال ذاته إلى أن الغرب قد اخترع تلك التقنية ليوحي لنفسه بأنه حارس العدالة الأبدى، كما أنها تحقق إمكانية ظلت حلما بشريا في السفر في الزمن أو على الأقل تثبيته.
وفي الحقيقة لم أكن أتخيل أن تصل تلك المقالة إلى حد النبوءة مثلما حدث فعلا بعد نشرها بأيام، فقد استخدم الشباب الأمريكي تقنية الفار التاريخية للتعامل مع رسالة أسامة بن لادن التي أرسلها إلى أمريكا منذ أكثر من عشرين عاما، ليجيب على التساؤل الأمريكي لماذا يقاتلوننا، وهى الرسالة التى يوضح فيها أن ما فعله – وليس ذلك حكما على ما فعله بالإيجاب أو السلب فلذلك مجال آخر - كان رد فعل على عدد من المواقف من أهمها الدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني، والمذابح التي يقوم بها بشكل روتيني ضد الشعب الفلسطيني.
كانت تلك واحدة من لحظات إعادة المحاسبة بأثر رجعي للمواقف الرسمية الأمريكية، تلك اللحظة التي بنيت على الاكتشافات الجديدة التي طرأت على وعي هؤلاء الشباب، فكانت تقنية التوقيف وإعادة القياس، لدرجة أن كثيرا من هؤلاء الشباب قد صرح بأن هذه الرسالة قد هزت وجوده، حيث تمت رؤية الأحداث الجديدة من وجهة نظر وضعتها في سياقها التاريخي الكامل.
لقد كان توقيف الأحداث بهذه الطريقة مثالا جيدا على إعادة الزمن وتثبيته ورؤية الأحداث من منظور مختلف عما دأب الإعلام الغربي على طرحه، تماما مثلما يحدث عندما يتم توقيف المباريات لمراجعة واحد من أحداثها ربما بعد دقائق من الواقعة محل الخلاف، ليقوم الحكم بتعديل أحكامه لصالح الفريق الذي تمت ضده المخالفة.
لقد أثبت الفار التاريخي أهمية مراجعة السياقات وطرحها على الوعي العالمي، الذي أصبح الآن وعيا مختلفا نتيجة لرؤية السياقات كاملة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتاريخ الصراع، وهو الأمر الذي يلقى علينا – نحن الفريق الذي تمت ضده المخالفة التاريخية – مسئولية أن نساعد في طرح السياق كاملا، وأن نسعى لعرضه على ذلك الوعي من جديد، استنادا إلى الأثر الممتد الآن.
هى إذن مهمة تقع على عاتق مثقفينا ومؤرخينا وإعلامنا لوضع السياق الكامل فى صورة يفهمها الوعى العالمى عموما والغربى خصوصا ليتم نشرها على نطاق واسع وبالطريقة التى علمنا أنهم يفهمونها.
فلنفعل ذلك الآن أو لنصمت إلى آخر المباراة.
هيثم الحاج علي