من المهم فهم السياقات التى أوصلت حزبي التكتل وتقدم لتوقيع وثيقة تفاهم مع الحزب الحاكم فى هذه الظروف.
من الواضح أنهما حزبان بأظافر مقلمة ،سلبهما النظام عبر انتخابات يونيو الماضى آخر ما يملكان من بريق انتخابي وسحَب من تحتهما بساطا فرشَه حريريا أمام نسخته الجديدة والمزيدة والمنقحة من المعارضة(تواصل ،الفرس الأسود ،والعين الرمادية والصواب- إيرا)
وجد الحزبان نفسيهما فى الظل مشردين تماما فالجماهير هجرتهما لما رأتهما يحتضران انتخابيا والنظام لم يرع فيهما إلاًّ ولا ذمة
لم يعودا حزبين معارضين قويين ولفَظتهما التشكيلات السياسية الهجينة التى استنبتها النظام باعتبارها معارضة جديدة
لم يعد دورهما تقليديا مناسبا فمفهوم المعارضة مَيّعه غزوانى عندما فتح القصر والاحضان لكل من يحمل ترخيص حقيبة أو حقيبة ترخيص.
فى لحظة من اللحظات ارتأى الحزبان الميتان انتخابيا أن معركتهما الآن هي البقاء فى الساحة ولو تطلب الأمر خلع العباءات القديمة والتسميات المتحفية.
تولدت لديهما قناعة بأنه عليهما غرس الأقدام من جديد فى الساحة بأية طريقة متاحة.
قناعة تستبطن أن معركتهما ليست مع النظام ولكنها مع المعارضة الجديدة التى صنعها لإزاحتهما من المشهد.
لذلك مستعينين بالسمعة والتاريخ والاسم والماركة المسجلة ،قررا التقارب مع النظام لقطع الطريق على مزيد من الضربات التى يتوقعانها منه ومن يدرى قد يتيح لهما الإتفاق معه فرصة نادرة للانتقام من المعارضة الجديدة ومعظم قادتها خرج من رحم الحزبين ولولا مروره بأحدهما لماكان شيئا مذكورا.
نعم البقرة حمَتْ ولدها لأكثر من ثلاثة عقود واليوم قررت حماية نفسها.
لم يستطع الحزبان تحمل كل الهوان الإنتخابي الذى عاشاه وذاقا مرارته فقررا أن يعودا للحياة ،للمشهد ،للواجهة من أي بوابة متاحة.
لم يعد مقبولا منهما العودة لمتحف التحالف مع تواصل ومسعود وبيرام فتلك تجارب حنظلية دفعا ثمنها غاليا وكانت عليهما لا لهما ،كان جحرا لُدغا منه وليس مناسبا أن يلدغا منه مرة أخرى.
فى تحليلهما أن الصراع أصبح على القرب من النظام نصحا لا نطحا وانه لولا استقواء خصومهما بالنظام لما ظهرا مجرد عصفورين يرتجفان تحت المطر الذى سلخ مع الريح الريش وقص المخالب وأيبس الحواصل.
نمطيا ،لم يعد لدينا شيء إسمه معارضة خارج الورق والوهم
فتواصل والتحالف والصواب إيرا والفرس الأسود والعين الرمادية هذه التشكيلات من الغباء وصفها بالمعارضة فلكل منها يد أخرى و( حنك) آخر لدى النظام
لم يعد احمد ولد داداه ومحمد ولد مولود مقتنعين بموت الغزال فى جدبه فالمياه التى غمرت جسريهما أبانت عن الهشاشة البنيوية للمعارضة التقليدية وأن بقاءهما بنفس( آبياج) التسعينيات لم يعد ممكنا فالزمن تحرك والمعطيات تغيرت وكل شيء فى المعركة تنكر لهما : الأرض والجمهور والأسلحة والتكتيك والآليات.
لقد كانت خطوة ذكية لإذابة خصومهما فى( آسيد) النظام فلن يخلو وجهه للخصوم هذه المرة
إن السياسة ليست كتابا منزلا من السماء هي لعبة مصالح وهي أن يتم الدوران مع جهة دوران المصالح لاعكسها.
سيتمكنان من العودة إلى الواجهة إن معنويا أو ماديا وبخطاب جديد اوقديم ،المهم أن لا يموتا مسرحيا.
ويقال إن وقوف ممثل مسرحي أمام آخر على الخشبة بينه مع الجمهور يماثل القتل رميا بالرصاص.
إن التكتل والتقدم استعادا زمام المبادرة ويعملان الآن على أن لا يقف أي( ممثل) على الخشبة بينهما مع الجمهور كما حدث فى الانتخابات الأخيرة.
أما أنهما حزبان مختطفان ويفرج عنهما اليوم بتوقيع تفاهمات مع الحزب الحاكم فتلك قصة أخرى لها ألف بقية.
من صفحة المدون/ حبيب الله أحمد