لقاء
في ثمانينيات القرن الماضي ، كان مفوض شرطة سامٍ يزور من حين لآخر منزل صديق له في الحي ف (ILOT V) بالعاصمة.
كان صاحب المنزل خلاسيا من أهل المجرية، وأم الأسرة موّلدة من أهل شمامة.
فكانت الأسرة العصرية (متيس) تجمع بين لكور والبظان، ومتشربة بثقافة فرانكفونية واسعة.
كان المفوض السامي يمر عصرا على الأسرة التي كان أبوها يعمل بالخطوط الجوية الإفريقية فكان يجلب المجلات والجرائد الفرنسية للمنزل.
وكان من الطقوس التي يكرم به الرجل ضيفه المفوض أن يأمر بوضع طاولة مع مقعد مريح في حديقة المنزل الواسع ، وهي حديقة مكسوة بالعشب الأخضر ومزروعة بالأشجار الصغيرة وتعبق بشذى الورود والأزهار غِبّ رشها بالماء.
توضع الجرائد والمجلات على الطولة مع كأس من العصير وقنينة ماء ، فيجلس المفوض يقرأ الجرائد ويقلب الصحف بعد العصر في ذلك الجو المنعش الهادئ الجميل لايقطع صمته إلا صوت زقزقة العصافير أو مرور سيارة في الخارج من حين لآخر.
ذات زيارة وجد المفوض -على غير العادة- رجلا أسمر طويل القامة يُرى عليه أثر السفر ويلبس دراعة قديمة ويضع عمامة زرقاء على رأسه ويمد رجليه تحت الطاولة وبين يديه جريدة وهو مستغرق في القراءة!.
سلم عليه المفوض فرد عليه السلام بأدب جم ، وأرجع بصره للجريدة..
جلس المفوض على مقعد بجانبه وتناول جريدة.
كان المفوض ينظر إليه .. منظره لايوحي بأنه من أهل الثقافة لكنه يقلب الجريدة كقارئ مهتم!.
وبعد فترة قال المفوض في نفسه لابأس أن أتسلى قليلا بهذا الرجل القادم من الأعماق على ما يبدو.
(حنحنَ) المفوض ثم سأل الرجل بأسلوب استنكاري لايخلو من تهكم:
انتومَ گط اگريتو اشويْ بويَ ؟
رد الرجل بهدوء وأدب: أهيه اشوي ماهُ شِ اكبير
فقال المفوض بذات الأسلوب المتهكم: اشويْ ذيك شنهي؟ سَبَّ انيبَّ مثلا؟!
قال الرجل بأدب جم: گط اگريتْ هون واگريت املي اشويْ في مصر.
قال المفوض وقد علاه الجد: مصر؟!
قال الرجل: گط اعطَ الرئيس المختار ولد داداه منحة للوالد ومشّاني فيها شور مصر.
سأل المفوض وهو يبتلع ريقه: الوالد منهو؟
قال الرجل: الوالد عبد الرحمن
قال المفوض: وانتومَ أسمكم
رد الرجل: آن ينگالي النِّيهَ
صرخ المفوض: وخيرت وخيرت وخيرت...
انتومَ النيهَ ولد الأمير عبد الرحمن (الدان) ولد اسويد أحمد وخيرت وخيرت..
قال الرجل بذات الهدوء والأدب الجم: حتّ زاد.. وخيرت بيكم انتوم..
وواصل قراءة جريدته..
ران صمت ثقيل وحاول المفوض التماسك باحثا عن رجليه ثم وقف وانسحب بهدوء (يوطَ ما يوطَ) لا تحمله رجلاه ..
وما إن خرج من المنزل حتى انطلق بسيارته بسرعة جنونية لايلوي على شيء.
كامل الخلعة
من صفحة الرائع : Sidi Mohamed xy