الإجراءات التي اتخذتها السلطات ضد عربات التوكتوك ، جاءت متأخرة جدا و كانت دون المنتظر بكثير .
و تبرير انتشار الأمور الضارة بفقر المجتمع و حاجته إليها هي أكبر جريمة في حق البلد و أهله و عار على المثقفين و أصحاب الرأي ، أما ذباب "التواصل الاجتماعي المبتذل" فهو معذور في تناوله لأي ظاهرة كالعادة ؛ يقول بيرنارد شو "الجاهل إذا تكلم أخطأ و إذا سكت أخطأ و إذا ذهب ضل جدا"
لقد انتشرت عربات التوكتوك في البلد بشكل مرعب ، مُخلفة فوضى عارمة لم يسبق لها مثيل و نسبة عالية من الحوادث و إرباك حركة المرور و الخروج على السيطر .
و تؤكد أجهزة الأمن و مكاتب الدراسات و الإحصاءات ذات الصلة في العالم أجمع ، أن انتشار الجرائم و تعقيد متابعتها يرتبط ارتباطا وثيقا بتكاثر عربات التوكتوك و الدراجات النارية و هي أمور تجسدت في بلدنا أكثر من أي مكان آخر و تتصاعد وتيرتها فيه بشكل مرعب.
لا توجد أي طريقة فعالة لفرض احترام قوانين المرور على التوكتوك و الدراجات النارية : التجاوز من اليمن و اليسار ، استغلال أي فراغ للتجاوز ، السرعة الزائدة ، الاستهتار في القيادة ، استغلال هذه المركبات عادة من قبل أعمار طائشة تنقصها اللباقة و الأخلاق . و حتى بعد تحريم ممارسة النقل العمومي على غير الموريتانيين ، ما زال أجانب يحتقرون شعبنا و يعتبرون بلدنا بلا رجال ، يمارسون هذه المهنة على التوكتوك لأنهم تعودوا على التحايل على الشرطة و المرور من المنعرجات الوعرة في المدينة التي أصبحوا يعرفونها أكثر من مواليد نواكشوط.!
حتى الدول الفقيرة ذات الكثافة السكانية العالية (مصر ، البرازيل ، روسيا ، المگزيك و حتى الصين نفسها) ، ترفض تبرير الحاجة إلى عربات التوكتوك و الدراجات النارية لما يرتبط بها من أمور سلبية لا يمكن لأي أجهزة أمن واعية التغاضي عن خطورتها ..
لقد منعت بعض السفارات في بلدنا ، على سياراتها الدخول في بعض مناطق نواكشوط ، لا لأسباب أمنية فقط و إنما بسبب فوضى المرور فيها و عدم احترام السائقين لقواعد السير المعمول بها في العالم أجمع ؛ ألا ترون أن من واجبنا أن نترك لهم منطقة واحدة لتأمين مشترياتهم و تبادل الزيارات بينهم؟
لكن أيضا و أيضا ، من أجل عيون من نتنازل نحن عن حقنا في التمتع بحركة مرور انسيابية ، يحترم أصحابها قوانين المرور و السلامة الطرقية و يتمتعون بأقل قدر من الانضباط و الأخلاق و الالتزام بما تفرض القوانين على الجميع؟
و على من يتخبطون في كلام عامي بَيِّن القصور و الجهل بمسؤوليات الدولة و الاحتياطات الأمنية ، واصفين قرار منع التوكتوك فيها بالفصل العنصري و الطبقي ، أن يفهموا أن السلطات أحرس منهم على مصالح الشعب و الرفق بفقرائه ، لكن التوكتوك جريمة في حق هذا البلد لا مبرر لها ؛ لا بكثافة سكان البلد و لا بنقص وسائل النقل و لا بغلائها كما يجب منع الشاحنات من دخول منطقة شارع الرزق و مجمع العيادات : على تجار الجملة أن يفتحوا محلاتهم على أطراف المدينة بدل قلب المدينة الذي حولوه إلى منطقة تغص بالفوضى و النشل و الأوساخ و الزحمة المستمرة . كما يجب منع الهياكل المخيفة التي لا يمكن لمجنون أن يسميها سيارات (أجسام متهالكة يصعب تحديد حتى من أي ماركة ، بلا أوراق و لا فرامل و لا إضاءة و لا أبواب و لا أرقام …) ، المهيمنة على الطرق الرابطة بين شاطئ الصيادين و قلب العاصمة.
نحن بلد من حقه بل من واجبه أن يسعى إلى ما تفرضه العصرنة من التزام صحيا و أمنيًا على الأقل .
و لا يمكن أن تظل عقول متخلفة تتحكم في تقدمنا و علاقاتنا بالبشر من خلال دقدقة مشاعر مريضة و فرض منطق متخلف بمبررات أقبح من كل ذنب ..
إذا كان لا بد من استخدام هذه المركبات المسببة لكل مشاكل المرور و الأمن في البلد ، فليتم توزيعها في مناطق بالداخل تعاني من النقص أو زيادة الأسعار في مجال النقل ..
أما وجودها في العاصمة فلا مبرر له..
و يحاول ذباب المدونين و بعض بشمركة الصحافة ، في كل مناسبة و من غير مناسبة ، التهجم على سكان تفرغ زينة بأغرب منطق :
ملاك و سكان تفرغ زينة رجال درسوا في أرقى جامعات العالم ورجال أعمال و تجار كدوا و صبروا و تحملوا و مهاجرون عانوا و عملوا ليل نهار في الغربة , بشروطها المجحفة و ظروفها القاسية حتى حققوا أحلامهم …
هؤلاء هم مُلاك و سكان تفرغ زينة ، لا وزراء ولد الغزواني و لا غيره ، فهل كان عليهم ـ بعد هذا الكفاح الأسطوري المتوج بالنجاح ـ أن يعودوا لبلدهم ليسكنوا في أحياء الانتظار رفقا بالفقراء !؟
كل عواصم العالم بل كل مدنه ، توجد فيها أحياء راقية يحاول الجميع (في العالم الطبيعي المتمدن) ، الالتحاق بركبهم و الاستفادة من تجاربهم و نجح الكثيرون في ذلك ، كما استفادوا هم من تجارب من سبقوهم من الناجحين في الحياة.
فما هذه المعالجات السقيمة التي يتم توزيعها على صفحات التواصل الاجتماعي كأنها عبقريات لا تُطال!؟
سيدي علي بلعمش