كان بإمكاني لو رغبتُ أن أصبح مليارديراً، دون اللجوء إلى اقتطاع مرتب باهظ أو اختلاس الأموال العمومية أو الرشوة.. فكيف ذلك؟ يكفى لتحقيق هذا الهدف أن أحتفظ لنفسى، بكل بساطة، بالهبات التي قُدّمت لي شخصياً من قبل بعض نظرائي رؤساء الدول، وهو ما لم أفعله قط. فلماذا تصرفتُ على هذا النحو؟
إن السبب في هذا يعود من جهة إلى كون غشاوة الثراء المادي لا تعلو ناظريَّ، وهو ما فسره بعضُ الزملاء بعدم الوعي! فهل كانوا على حق؟ لا يعلم ذلك إلا الله وحده.
أما الناحية الأخرى فتعود إلى أنني أعتبر تلك الهبات مرتبطة بوظيفتي لا بشخصي، وبالتالي ليستْ مُلكاً لي رغم التحديد الواضح من المانحين. إنه منطق مُلتوٍ ومغالاة في التدقيق كما يقول البعض. ومع أن الأمر قد يكون كذلك، فإنني لم أقبل إطلاقاً أن استخلص لنفسى تلك الهبات الهامة نظراً للسببين السابقين. وسأستعرض هنا أولئك المانحين حسب التسلسل الزمني لتقديم هباتهم السخية.
لقد أعلن لي الملك فيصل، ونحن في السيارة التي أقلته إلى مطار نواكشوط للمغادرة، في أعقاب زيارته الرسمية لبلادنا في نوفمبر 1972 ما يلي: «سأبعث إليكم في القريب عوناً شخصياً مثل ما فعلتُ مع بعض الإخوة رؤساء الدول في البلدان غير الغنية». ولم تمض سوى بضعة أيام حتى قدَّم لى سفيرُه في بلادنا صكاً بمبلغ مليون دولار حُرَّر باسمي. وسلَّمتُ ذلك الصكَّ إلى المسؤول الوطني عن الخطة العاجلة لمكافحة الجفاف بعد أن تحدثتُ عنه في مجلس الوزراء. كما طلبتُ أن يُسجَّل ذلك الصكَّ رسمياً تحت عنوان «هبة شخصية من الملك فيصل لصالح الخطة العاجلة».
وفى شهر مارس من سنة 1973، أعلن لي الرئيس موبوتو خلال زيارته الرسمية لبلادنا عن عون شخصي بمبلغ 500.000.000 فرنك غرب إفريقي حوَّلها بعد ذلك بوقت يسير. وقد حَوَّلتُ هذه الهبة الهامة إلى الميزانية وخُصص جزءٌ منها لبناء المدرسة العليا لتكوين الأساتذة التي حضر الرئيسُ موبوتو تدشينَها بدعوة مني.
وقدَّم لي الرئيسُ بونغو بدوره في مناسبات عدة صكوكا ومبالغ نقدية بقيمة 400.000.000 فرنك غرب إفريقي حُولتْ إلى ميزانية الدولة، واستُغلَّ جزءٌ منها في تمويل بناء معهد التهذيب والدراسات السياسية (مدرسة الحزب) الذي اكتمل تشييده مع بداية 1978. وكان من المفروض أن يحضر الرئيس بونغو حفلَ تدشينه لولا الانقلاب. وتضاف إلى هذا طائرة كارافيل التي أهداني إياها.
وفى شهر ديسمبر 1977، قمتُ بزيارة خاطفة للعميد هوفوتبونيى في يامسوكرو للسلام عليه وبحث المشكلات الراهنة، وهي عادة أتبعها معه من وقت لآخر تتيح فرصةً لتبادل الآراء البناءة والثرية. ولدى مغادرتي قال لي: «إنكم في وضع حرج بسبب حرب الصحراء، وسأرسل إليكم في القريب بمساعدة مالية ضئيلة». وبعد فترة وجيزة وصل رئيس الجمعية الوطنية الإفوارية فيليب ياسيه Philippe Yacé على متن طائرة خاصة وهو يحمل حقيبتين كبيرتين مُلئتَا نقوداً من فرنكات غرب إفريقية وفرنكات فرنسية، بلغت قيمتها ملياري فرنك غرب إفريقي أي ما يعادل عشرة ملايين دولار! وقد سلمتُ الحقيبتين إلى وزير المالية دون أن أفتحهما، وأعطيت الأمر بوضع محتوياتهما في الميزانية.
وفى بداية 1978 أرسل إليَّ الرئيس أهيدجو مبعوثاً خاصاً يحمل مبلغ 25.000.000 فرنك غرب إفريقي نقداً. وقد قام مدير ديواني بإدراج ذلك المبلغ في الاعتمادات الخاصة بأمر مني.
فليجد كل إخوتي وأصدقائي الكرماء الذين ذكرتُهم في هذا الصدد خالصَ الشكر على هذا التضامن النموذجي والسخي. وقد شرحتُ لهؤلاء وأولئك أنني أفضل اعتبار هذا العون الضخم مساعدة من شعوبهم للشعب الموريتاني بدل أن أستخلصه لنفسي.
«موريتانيا على درب التحديات»/بقلم المختار ولد داداه