قبل أيام تداول الجميع عبر الواتساب، بعض منهم على سبيل الإعجاب والفخر، كلمة لعمدة مدينتي مدينة تمبدغة الذي خسر منصبه في الانتخابات الأخيرة يقول فيها: "التنصيب لن يتم وسنستخدم سلاحنا المرخص وغير المزور لرفضه” وعيوننا في كل القرى وستعاقب كل من تسول له نفسه المساس بأسرة الإمارة أو ذكرها بسوء.
قبل ذلك، وفي خضم الحملة الانتخابية، هدد عمدة نواذيبو بتحطيم سيارات من سماهم المزورين على رؤوس أصحابها وإحراق المدينة إذا اكتشف تزويرا، في تجاوز واضح لحدود الخطاب السياسي المقبول وافتئات على سلطة الدولة التي يحق لها وحدها أن تعاقب المزورين من خلال المتابعات القضائية لا بتحطيم سياراتهم وهم بداخلها أو إشعال النار في المدينة التي يريدون انتزاع بلديتها من العمدة.
طبعا، العمدتان كلاهما سياسي ترشح من أحد أحزاب الأغلبية بعد أن لم يرشحه الحزب الحاكم، ولأسباب مفهومة اعتبر كلام الأول كلاما عاديا ينفس به صاحبه عن نفسه ويسلي أنصاره عن الخسارة الانتخابية؛ وقبل ذلك اعتبرت تهديدات الثاني كلاما مألوفا تعود الناس مثله من الرجل ورأوه مقبولا من سياسي يشعر بضغط المنافسة ويريد تعبئة أنصاره ورفع معنوياتهم. وفي كلتا الحالتين لم يستحق الموضوع إدانة لا من الحزبين الذين ترشح منهما الرجلان ولا من حزب الإنصاف الذي غاضباه، أحرى أن يستجوبا أو يعتقلا.
حادثة الشرق تلك، وقبلها حادثة الشمال، تم التعاطي معهما بالتجاهل رغم أن كلا التهديدين صدر أثناء مهرجان أو تجمع جماهيري وتم الاحتفاء به ونشره على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وكانت الحادثتان ستمران من دون تعليق لولا تعاط مختلف مع تصريح مشابه صدر في سياق مؤتمر صحفي في قاعة مغلقة وبحضور محدود وحصل هذه المرة في نواكشوط، حيث يفترض أن مخاطر الانزلاق أقل وإمكانات التحكم والسيطرة أوفر.
الغريب أن حديث بيرام في مؤتمره الصحفي، وفي أكثر فهوم كلامه تطرفا، لا يمكن أن يصل لصراحة وعلنية الاستعداد للعنف في كلام العمدتين. والحقيقة المرة التي تدعو للأسف أن المتابع للموقف من كلام بيرام وكلام العمدتين يلاحظ حساسية مفرطة تستبطن انطباعا خاطئا وتصورا خطيرا مفاده أن هناك من هو جاهز للعنف ولا ينتظر إلا كلمة أو إشارة من بيرام.
في السابق، تحدث بيرام في بروكسيل بعد وصول غزواني للسلطة عن ما أسماه نظام لابرتايد، لكن نظام غزواني تعامل مع تلك التصريحات بطريقة مختلفة عن طريقة الاعتقال التي كانت تتبع عادة، وتحول بيرام بعد تلك التصريحات إلى صديق حميم وجد صديقه الذي كان يبحث عنه.
أعتقد أن نقطة قوة غزواني التي ميزت تسييره للأمور حتى الآن هي قدرته على التحلي بالصبر وتشبثه بخيار التهدئة كنهج ثابت في الحياة السياسية، وهي التي حقق بها مكاسب سياسية هائلة دون أي جهد يذكر، بل دون حراك أو دعاية سياسيين في الواقع، ونجح في تحييد أغلب معارضيه بأقل تكلفة يمكن تصورها.
لا أدافع هنا عن كلام بيرام ولا أبحث عن مسوغات له، لكنني أدعو للعدل في التعامل مع تصريحات السياسيين، وأرى أن عدول الرئيس غزواني عن نهج التهدئة والتغاضي، الذي أثبت نجاعته بالنسبة له، إلى السماح بخلق أوضاع متشجنة لا يناسب الرجل ولا يخدمه؛ وضرر هذا التحول على الحياة السياسية في البلد أكبر من ضرره على المستهدف به؛ والتجارب القريبة خير شاهد، فلم تزد الاعتقالات السابقة خطاب بيرام إلا انتشارا وتأثيرا وقوة مظلمية.
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.
بقلم الهيبة الشيخ سيداتي