الدين المغشوش
أحد المتهمين بسرقة المال العام، شهد له بعضهم بأنه (حمامة مسجد)!!
وقد أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ فَقالَ: «مَن لَمْ تَنْهَهُ صِلاتُهُ عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ فَلا صَلاةَ لَهُ».
ومن المنكر والفحشاء سرقة المال العام، الذي يقول بعض أهل العلم إنه أشد حرمة من مال اليتيم وكفى بذلك إثما، فالمال العام فيه حق اليتيم والسائل والمحروم والأيّم والأرملة والعجوز والعاجز وغيرهم، وقد باء سارق المال العام بإثمهم جميعا.
المشكلة أننا نعتبر الدين عبادة فقط بينما الدين (عبادات ومعاملات).
وجانب المعاملات أهم لأن المعاملة فعلٌ متعَدٍ إلى حقوق الغير وتستوجب التوبة لله من الحقوق المترتبة عنها، رد الحق لصاحبه أو طلب السماح منه، بينما العبادة فعل متمحض لله بينه وبين العبد.
قال الحكيم الترمذي في (أدب النفس): وما جاء عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حدثنا بذلك صالح بن محمد، قال: حدثنا القاسم العمري، عن عاصم بن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه: أن رجلًا أثنى على رجل عند عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال: صحبته في سفر؟ فقال: لا، قال: فأتمنته على شيء؟ قال: لا، قال: ويحك! لعلك رأيته يخفض ويرفع في المسجد.
كما ذكر هذه القصة محتجا بها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال:
"ولهذا لما شهد عند عمر بن الخطاب رجل، فزكاه آخر، قال: هل أنت جاره الأدنى تعرف مساءه وصباحه؟
قال: لا.
قال: هل عاملته في الدرهم والدينار اللذين تمتحن بهما أمانات الناس؟
قال: لا.
قال: هل رافقته في السفر الذي تنكشف فيه أخلاق الناس؟ قال: لا.
قال: فلست تعرفه.
وروي أنه قال: لعلك رأيته يركع ركعات في المسجد".
يقال إن مدير مصنع صيني تعجب من ازدواجيةٍ في سلوك أهل المنتبذ القصي، فهم لا يشربون الخمر ولايأكلون اللحوم لأن المواشي غير مذبوحة على الطريقة الإسلامية أو من طرف أهل الكتاب، لكنهم في الآن نفسه لا يتورعون عن تزوير الأدوية لقتل بني جلدتم، ويطففون في كل شي، و ليسوا شفافين في السداد و لا ملتزمين في المعاملات !!
ذات عمل خيري بلع أحد الدخن تمويل عدة مساجد، وحين علم الخليجي بالأمر حزن حزنا شديدا وحين سئل عن سبب حزنه وهو الرجل الغني؟!
قال: لم أحزن للمال فالأجر ثابت لي إن شاء الله لأنني أعطيت المال بنية صادقة، لكن سبب حزني هو صدمتي من فعل هذا الموريتاني فقد بلغنا من الثقة فيه أن نساءنا لم تكن تختمر في حضوره لفرط الثقة في ورعه ودينه فلم يكن يرفع نظره عن الأرض.
خليجي آخر أبرق وأرعد حين رأى صورة دكان صغير تصاقبه منارة كتب على الدكان محظرة وعلى المنارة مسجد، فلعن (المطوع) الذي أخذ ماله لبناء مجمع يحوي جامعا ومحظرة وسكنا للطلاب وبئرا ارتوازية للسبيل.
قالوا عن ورع أحدهم، إنه يحاول ألا يبتلع نقطة ماء أثناء الوضوء في رمضان، وقد بلع حصة أخته من الميراث، ومترين من أرض الجيران، وأمتارا من الشارع العام، وجلب الأدوية المزورة من الصين دون أن يرقب في مؤمن إلًا ولا ذمة.
كان أحدهم يقطر ورعا ويلبس شعار التقوى وكان يصلي مع الإمام بداه ولد البصيري برد الله مضجعه، ذات مرة قدّم الرجل مائة ألف أوقية للإمام بداه، وكانت حينها مبلغا معتبرا، على أنها مساعدة لطلاب المحظرة.
بعد أيام جاء الرجل مع أخيه وطلبا من الإمام بداه تزكية حكم يتعلق بحرمان أخت لهما من الميراث، وقدّما قصة غير مقنعة، وكان يستمع لهما دون أن يتكلم.
ولما أكملا، نادي الإمام الأكبر على أحد تلامذته قائلا ”افلان جيبْ لِ كبّفوري ذاك (وهو خزانة صغيرة من الفولاذ).
جاء التلميذ بالكبفور، أدار بداه المفتاح وفتح الخزانة وأخرج رزمة المال المربوطة بسلك بلاستيكي، وسلمها للرجل قائلا هذا مالك، ويعلم الله أنه مازال مطويا كما تسلمته منك لم ينقص ولم يزد.
أخذ الرجل ماله وخرج حشمانَ صاغرا مع أخيه.
مشكلتنا أيضا التأويل فلا يأتي أحدنا بفعل ولو بانت حرمته إلا تأول له.
يروى أن الأمير عبد الرحمن ولد بكار(الدّان) ضل عليه (اجْمل معلومْ)، فقال له أحد المشايخ: تبغي انْحَجّبْ لك تجبرو.
فقال له الدان: ألا حجّبْ لي ما يجبرو زاوي، لوخر اعلِيّانَ.
يعرف الأمير الدان أن الزاوي إذا وجد الجمل سيتأوّل لحيازته بعدة أسباب، أولها استغراق الذمة.
علينا أن ننراجع منظومتنا الأخلاقية.
كامل الازدواجية
سيدي محمد Xy