دخلت يوم امس في مناقشات حامية الوطيس مع بعض مَن يُفترض أنهم قادة رأي ومثقفو بلد حول ضرورة التقيد بالوقوف عند إشارة المرور الحمراء ,وذلك أثناء وجودنا في سيارة أحد الاصدقاء في شوارع العاصمة.
ويا لصدمتي ومفاجأتي حينما وافقني الجميع على صواب ما قلت من ضرورة الالتزام بالنظام , لا من باب وجوب الانصياع للقوانين والنظم المعمول بها في أي بلد فحسب ,بل من باب الحفاظ على السلامة العامة وعدم تعريض النفس والآخرين لأضرار قد تكون عواقبها وخيمة ,لكن مفاجأتي ازدادت عندما عقّبَ أحد الاساتذة الأجلاء ـ والذي يشغل منصبا مرموقا ـ بالقول :
"يغير هي الّا موريتان" ثم أعقبها بقهقة هستيرية كادت تفقدني حدود اللباقة وحسن التصرف.
ولم تطل حيرتي وغضبي عندما تذكرت حديثا جرى قبل ذلك بيني وبين مجموعة من تجار "اكلينيك" حول ضرورة المحافظة على منطقتهم نظيفة من الاوساخ التي يرمونها بأنفسهم أمام محلاتهم يوميا ,ومنها على سبيل المثال بقايا أ"تاي والنعناع" وذلك من أجل الحفاظ على صحتهم أولا من الامراض الناتجة عن البكتيريا والجراثيم الضارة التي تتوالد بكثرة في أماكن تجمع النفايات والاوساخ ,ومن أجل المظهر العام لمدينتهم وشارعهم ثانيا , ولأن النظافة أولا وأخيرا من الايمان وعباداتنا ومعاملاتنا مرتبطة بها,فضلا عن كونها مظهرا من مظاهر الحضارة والتقدم ,فشكرني الجميع على النصيحة ووافقوني على كلامي ,لكن أحدهم قال :
"يغير بعد لا تنسَ ..هي الا موريتان"
قبل ذلك بفترة كنت قد شاهدت مسؤولا كبيرا في ديوان رئاسة الجمهورية في لقطة مسربة وهو يعدد الانجازات التي تحققت على يد الرئيس ,فقاطعه أحد أصدقائه ساخرا : ومن تلك الانجازات أنك تسوق سيارتك الآن ولا تضع حزام الامان فالتفت اليه ضاحكا وقال : "هي الا موريتان"
صحيح "هي الا موريتان" وستظل كذلك ولن تكون غير موريتانيا ,طال الزمن أم قصُر ,لكن ليس معنى ذلك أن نبقى متخلفين عن الركب في كل شيء ,حتى في التفكير بسبب أنها "الا موريتان".
عندما يُخطئ وزير , أو يُنهَب مالٌ عام ,أو يُخلَى سبيل مجرم روّع الآمنين في بيوتهم , أوتُنتهك حرمات ,أو يُحرم صاحب حق من حقه ,أويُعطي مَن لا يستحق ,أويُدنى الاجنبي الغريب ,أويبعد المواطن القريب ,يكون الجواب الجامع المانع دائما :
"أيوَ شنواسو هي الا موريتان"
وددت لو أستطيع انتزاع هذه الكلمة التي أصبحت تستفزني وتثير حفيظتي من قاموس لغتنا الحسانية.
بقلم/ محمد محمود محمد الامين
مقال نشرته في وقت سابق وأعيد نشره الآن بعد أن تكررت على مسامعي نفس الجملة من أكثر من شخص.
بقلم/ محمد محمود محمد الأمين