الصواب : نستغرب أن يحصل كل هذا الفساد في العشرية ولا يستقيل وزير واحد

اثنين, 06/06/2022 - 14:04

(المحاضر المفرج عنها )

على ضوء التسريب المتداول لجزء من  محاضر  قطب التحقيق المتعلق بملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يتأكد أن مأساتنا ليست في الغبن الاجتماعي الناجم عن التراتبية المقيتة وغياب العدالة منذ قيام الدولة الموريتانية ولا في كَبْتِ الحريات ومطاردة المخالفين وسجن أصحاب الرأي وتصفيتهم إن تطلب الأمر، ولا في حكم الفرد وتشويه العمل السياسي الحزبي والمجتمعي الجادين وتحويل  فضائهما في كل مرحلة الى كازينوهات لعبٍ وقمار بين الضالعين في نهبنا.. ولا في الممارسات المعتمدة من أجل نزع ثقة المواطن في قواعد الالتزام والمسؤولية وسلوك المجتمعات الطبيعي في دولة القانون.. ولا في طبخ وتزوير الانتخابات التي كلما تقدمت عندنا خطوة إلى الأمام رجعت خطوتين إلى الوراء، وأصبحت نتائجها أصفارا على الشمال.. ولا في فساد النظام الإداري والقضائي القائم على الرشوة والمحسوبية والعصا الغليظة في وجه الضعيف والخضوع والاستكانة للاقوياء وأصحاب النفوذ
مأساة دولتنا تَكوَّنت نواة إعصارها المدمر عند الزواج  غير  الشرعي  بين المال والسلطة واستمرت حركته اللولبية المتنامية بحصول المقربين أسريًا من أي نظام حاكم على استغلال قرابتهم  لبسط النفوذ وإطلاق الأيدي في الصفقات العمومية والاستحواذ على الدولة ومؤسساتها واختراق الحكومات وتحويل أعضائها الى موظفين لديهم وتقاسم البرلمان والعمد والحزب الحاكم ودوائر القرار ووضع الجميع في خدمة الرفع من سجلاتهم التجارية وأرقام معاملاتهم، قبل أن يصل الأمر إلى رأس النظام  نفسه - بدل مقربيه- ويتحول إلى مقاول يستغل كرسي الحكم كأصل تجاري لِجَنْيِ أكبر قدر من الارباح، والاستحواذ على الدولة  ووضع أجهزتها في خدمة تجارته  وتهربه الضريبي وتبييض أمواله وتسهيل صفقاته الخارجة كليا عن القانون وقواعد الحكامة ومبادئ الشفافية والقواعد الاخلاقية للحكم..
ما سربه قطب التحقيق من محاضر ملف العشرية يؤكد انعدام الأخلاق والكفاءة  في نخبة البلاد الحاكمة ، فلم يسبق أن ابتعد الحاكمون ونخبتهم بكاملها عن الأخلاق بالدرجة التي وقعت لمن ربطتهم صلة قريبة أو بعيدة بهذا الملف .
 
لم نر  استقالة.. لم نسمع تأوه ضمير  يمنع من المشاركة في الفضيحة أحرى أن نسمع  أو نرى فعلا أو قولا يحول بين  صاحبه والاستمتاع بفتات فضيحة جرت كل تفاصيلها على حساب صرخات وأنين ملايين الفقراء والمحرومين.. 
قيادات من الصف الأول،  وأطر عليا أنجبت بلادنا بعُسرٍ أعداد منهم ليصنعوا التنمية وينقذوها من التخلف والعوز شاركوا  في حفل اغتصاب جماعي لمواردنا أو لاذوا  جماعيا بالصمت والفرار .. 
والحق أن معركة الفساد لا وسطية فيها  فهي معركة بين مفترِس  ومفترَس ، فإما أن تكون مدافعا عن وطنك ومصالحه العليا وسيادته وكرامة شعبك وقوته ، أو تكون مفترَسا.. مفتَرساً أخلاقيا ومعنويا وضميرا وأمانة ومهجة ومروءة قبل أن تكون مفترَساً مهنة ومسؤولية
 
فبأي حجة سكت هؤلاء عن جريمة بهذا الحجم والانتشار والبشاعة وهل لعاقل أن يأتمن أمثالهم في أي سلَّمٍ من مراحل المسؤلية والأمانة العمومية ..
 
لا ينبغي للشعب الموريتاني ان تتجه محاسبته لأصحاب العشرية الماضية ولا العشريات السوداء التي سبقتها رغم بشاعة ما أقدموا عليه، بل يجب أن يوجه المطحونون لافح غضبهم   لمحاسبة او - على الأقل - عدم مكافأة من شاركوا في الجريمة ويوجدون خارج كل محاسبة اليوم .. فمثلهم يحمل جينات الاستعداد المكتسبة للتهالك  وإراقة ماء الوجه، والتذلل، والاستجداء.. ومستعدون لبيع الوطن ذرة تلو الذرة،  بالجملة والتقسيط..  وجاهزيتهم أعلى لممارسة أقسى أنواع  الظلم والقسوة والقمع وتصفية الحسابات مع نقيضهم الاخلاقي والمهني، كما ترشد الى ذلك مبادئ ايديولوجيا الارتزاق والوهن وعقيدتها الراسخة في السعي لطمس الحقائق وعدم  التمييز بين النقيضين والعجز  عن الهمس ب ( لا ) في وقت يجب قولها بالفم الملآن.

 

مراسلون