المثلية الجنسية في موريتانيا

خميس, 19/05/2022 - 14:23

المِثْليَّة الجنسية في موريتانيا.

..........ا

المخنثون فئة مُعترف بها كحالة علميّة خاصّة، تتداخلُ فيها المعطيات البيولوجية بالنَّفسية، بالطّفرات الجينية بالعيوب الجنسية الخَلْقية، لا علاقة لها بالانحراف السّلوكي.. وهذه الحالات (مُخنَّث، خُنثى) لها الحق على الدولة والمجتمع بتعهّدها بالطب العضوي والنفسي متابعة وعناية.

"كَور جكَين"، "كَلكَاله"، "ابريشه"، "نيشه"، مُسمَّيات شعبية، لصفة مُكتسبة بالإرادة وخيار لمسار في الحياة، لا يَنتمي الموصوف بها بالضرورة للفئة المريضة الآنفة الذَّكر، الموصوف بها بدأ حياته سوياًّ في الأغلب، ثم هانت عليه النفس فندبها للسوء، وحملها في أول عربة على سكة الأوحال،.. هو حالة اجتماعية أعْدَلت عن الفطرة عمدًا، تتجاذبها علامات الأنوثة والذكورة، أجساد رجال بأرواح نسائية، طاغية الحس الأنثوي، .. يتعمدون اظهار الهوية الشاذة بالمبالغة في التّلوي والّتَّثني في المشي والخضوع في الصَّوت، وتموُّج الأطراف في أنوثة أعجزت الإناث،.. يُعطي الواحد منهم الإحساس بأنه كائن يقيم في الجسد الخطأ،.. مزيج يتداخل فيه التشبه بالنساء بالغواية، بالميول الطاغية للمتاجرة "بالجو" في جو لا يشعر فيه بالتنغيص أو الانتقاص، يتقاذفه الاحتقار نهارا، والاعتبار ليلا في الأوساط التي تتقبله وتحتاج "لخدماته" من قوادة وصيد وتلميع، أو من مُتعة الهزيع الأخير،.. يدفعهم الانغماس والاحتراف إلى تعظيم الولاء الجنسي على الولاء الاجتماعي فيعيشون في شبه قطيع من "الأصدقاء" منعزل ومُتناغم.

في العالم الغربي يعمل المثليون في مهن الضَّوء والأناقة (برامج الشّو، مسابقات الجمال، الفن، الملابس، العطور، التزيين، المهرجانات)،.. وقد هُذِّب مُصطلح "الشذوذ" لأجلهم ليُصبح "المثلية"، وأيّ كلمة جارحة تجاههم اليوم تنافس معاداة السّامية، مع أن مجتمعاتهم السَّوية تتقبلهم بمضضٍ قانوني، وموقف المحافظين منهم لم يؤثر فيه شطط القانون، وليس سِرًّا أنَّ وعود الغرب بتحرير "عُقد" البشريَّة بترك الحبل الأخلاقي والديني على الغارب قد فشلت، شخصيًّا لستُ مفتونة بتلك الوعود.. والاصطفاف إلى جنبها لا أعتبره تمدنا ولا تقدمية.

نسختنا من المثليين، من أقلّ جنسهم جُرأة في المُواجهات المفتوحة مع المجتمعات الرَّافضة، حتى الآن.. والنظرة المحلية تجاههم وإنْ كانت مشمئزة إلا أنها غير عدائية،..

تعيش الطبقة المتنفذة من مُخنَّثينا في حلقة صلبة، واسعة العلاقات، يعاضد بعضها البعض، يحمي نشاطهم "بزنس ترويح" مطلوب، مُتشعِّب ومُتشابك المصالح مع فئات أخرى قوية و"سوية" في ظاهرها الجسماني والاجتماعي،.. وهم مترفون و"محترمون" وسادة عالم المتعة الخفي بلا منازع.

أما الطبقة الدنيا منهم، المحتاجة، فتَتَسافل مع أكثر المهن وضاعةً، يُبالغون في إركاس حياتهم في جو يتعانق فيه الفجور والشذوذ والإدمان وإطلاق الشَّهوات والتَّرويج لها، يحملون عبء شخصية ضائعة ومنبوذة، يركنون غالبا لحياة التَّخفي،.. وقلة منهم تُرغم عنوة على الزواج حفاظا على القطرات الشحيحة المتبقية من ماء الوجه الاجتماعي لهم ولمحيطهم الضَّيق المُعذب في سمعته بهم،..

كان ظهورهم معيبا بداية وخجولا، ويقتصر على بعض المناسبات الاجتماعية كمتنفس لهم، إلى أن احتضنهم "إيگاون" كمتخصصين في ضبط الإيقاع، ثم كانت لهم التلفزة الوطنية ظهيرا حين قدمَّتهم في ذات الثوب، "طبَّالة للفرق الفنية"، فدخلوا بيوتنا وتعوَّدنا عليهم، كمُسلَّمة فنِّية مُتخصصة في "الشَّد واتْگنگيشْ"، مما عجَّل باختراقهم للسّياج الأخلاقي الذهني.

لستُ في صدد نقاش "حقّ" هؤلاء في الاختلاف أو في الشذوذ، أو "حقهم" علينا في تقبّل خيّاراتهم في الخروج على النّمطية الجنسية التقليدية، وفي حرية الميول،.. لديَّ قناعة من صنف إيمان العجائز أنَّ الأولى بالحماية الآن هوّ "حقُّ" المجتمع في الإبقاء على سكينته الأخلاقية من العبث،.. فحتى الفلسفة الالحادية تحترم تقاليد الشعوب وقيمها الأخلاقية.

زرتُ مرة مدينة في الدّاخل في وفد رسمي فكان جل القائمين على الطبخ والضّيافة من هذه الفئة، والمشهد مألوف هناك ولا يُزعج، حتى سكرتير الحاكم يصفِّق ويتغضَّن بطراوة انثوية يُحسد عليها وبراغيه مرتخية.. وصلتني يومًا لائحة بأسماء ضيوف لشخصية رسمية، فجَعَل الترتيب الأبجدي "شخصية مِثْلِيّة فئة سبعة نجوم" على رأسها!.. إذن، منهم المثليُّ –الرفيع، ومنهم المثليُّ-الوضيع، حسب وسط الاحتضان..

"اتكَلكَيل"، لم يعد من المُحرَّمات الصّارمة هنا، فالتَّخنث يعيش عصره الذهبي عالميا، وقد انتقل من مرحلة الدفاع الذليل الساقط الى الهجوم الجريء الضَّاغط،.. ولذا تطفو له اليوم "تفريعات" جديدة ، ويتعلق الأمر بالنُّسخة "الأنثوية" من الشذوذ الجسدي المُشتَهِي للجنس المُماثل، والتي لم تبرز عندنا سابقاً بشكل لافت.

فقد ذكر لي شخص أثق به، ويمنحه عمله فرصة الاطلاع على تفاصيل حياة القاع الاجتماعي، أنَّ سحاقيات (كَلكَلات ناثِ) يُمارسن "التِّسْدار" في نزهات شذوذ أمام المحلاَّت التجارية الكبرى، يُغرينَ الفتيات ويجذبنهن لعالمهن.. وهو أمر ليس بالجديد في عالم الشذوذ، لكن جديد علينا، وإنْ كان شائعا في أساط الشذوذ الذكوري، حيث يُصطاد شباب أسوياء من الواقعين تحت ضغط العوز، يصطادون بالإغراء المالي والمادي وبالمؤثرات العقلية، يُمارَس عليهم أو يُمارِسون على الشّواذ، فيغوصون في لُجّة ظلام ذلك العالم القذر بكل شيء وفي كل شيء وليس آخر أشيائه الضياع ..

إن جُلّ ميزانية المثليين المُتحصَّل عليها من القوادة وتباعتها ينفقونها على زينتهم الشخصية وعلى ترضية الضحية (شريك الفراش)، وعلى الاستطباب، فهذا الوسط تنخره الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس، وهي السبب الرئيس لوفياتهم.

عشتُ تجربة انطبعت في ذهني،.. كان الوقت شتاء في تونس، والليل ينزل الخامسة مساء عانيت ألمًا في الضرس، بحثتُ عن أقرب عيادة للفندق فوجدتُ طبيب اسنان لبناني من عائلة "حب الله" سكرتيرته زوجته، مولودة في السنغال تتقن الولفية، "جرَّيتْ الها الدَّم"،.. كنتُ أخلُصُ من التدريب وقت المغرب، فوعدتني بالانتظار،.. قاعة الانتظار خالية إلا من سيدة فوق الستين تقريبا فارعة الطول تلبس "سفساري" ( لباس تقليدي) حييتُها شفهيا وتناولتُ مجلة، رفعتُ نظري اتجاهها بشكل عفوي فوجدتها تبتسم، ابتسمتُ مُجاملة، فغمزتْ لي بعينها، كذَّبتُ خيالي، عاودتُ النَّظر فعاودتْ الغمز، تأملتها في ارتباك فوجدتُ ملامحها قاسية ويدها متخشبة،.. هل هي انثى، ذكر، متحول جنسيا؟،.. احسستُ بقشعريرة وغثيان، وبرغبة في التَّبول على ملابسي،.. بين العيادة والفندق كنتُ التفتُ وأتصورها تُلاحقني.. خوفي لم يكن منها، فضربها لن يكلفني جُهدا،.. لكنه إحساس مُرعب بشيء غريب، آثم، مُناف للفطرة البشرية.

المجتمع الفاضل من ضروب الخيال، لكن ضبط هذه الظواهر سيكون أساسا للحفاظ على بقية أخلاق على الأقل في الإعلام المرئي، وأضعف الإيمان في الرَّسمي منه،.. كل حفل ينعشه "إيگيو" اليوم في بيت محافظ أو ماجن، سيحضره بداهة (ورغم أنف صاحب الحفل) حفنة من المخنثين، منهم الطَّبال ومنهم المنعش ومنهم الملمِّع بالصوت والأجْرِ لبعض سيدات المجتمع، ومنهم المتأمل في الوجوه الباحث عن آخر إصدار من بضاعة الجمال الغض القابل للتسويق، ومنهم باط المتفرج بكل ثقة وسكينة، ولهم حق معلوم في الضّيافة ونصيب محسوب في "الزرگ وآمْصفاط!".. أصبح بعض الناس يُقاطع حضور انعاش "إيگاون" لهذه الأسباب، ويرغم بعض الناس على الاقتصار على "بنجه" حتى لو كان لا يستسيغها،.. لكن الطريف أيضًا، ميل النسخة الجديدة من "أصْحَباتْ بنجه" في انعاشهِن لبعض الإيحاءات الجنسية والألفاظ الساخنة لإثارة الخيال الأروتيكي للحاضرات!.. أيوه؟

قيل إنَّ "تيگيويت" كبيرة ومحترمة، عابَ عليها أحدهم التَّردي لدرجة تسجيل شريط لأحد أباطرة أثرياء "گور جيگنات"، ينتمي لمجتمع تقليدي كريم ومُحافظ، فأفحمتِ المُستنكِر عليها قائلة: « هو ما يَخْلَ من اثلتْ امْظاربْ، ألاَّ ايعود امرة من الفولانيين وآن افلانه، ولَّ إعود راجل منهم وآن افلانه ، ولَّ إعود خلط راجل وامرة منهم، وآن افلانه! ».. معناها عنْ مُجمل حالاته البيولوجية اتعدلها - عُرْفًا- يالَّ تگبظلُ الهول.. وزايدْ باتشعشيع.

سيكون انفتاح الوالدين على أطفالهم وتحصينهم بثقافة جنسية واعية ومُتحررة من المحاذير والمحظورات أساس السَّلامة من الاستدراج والانزلاق، فقتلهم لفضولهم المعرفي للجنس ودفنه في الجهل لا تُحمد عقباه.. المدينة غول مرعب.

تحياتي.

 

بقلم الكاتبة الكبيرة/ الدهماء ريم

  

        

بحث