الحجاج " على فراش الموت ''
دخل أبو المنذر يعلى بن مخلد المجاشعي على الحجاج في مرضه الذي مات فيه فقال : ماذا ترى يا حجاج من خمرات الموت و سكراته ؟؟
فقال الحجاج: يا يعلى غما شديدا و جهدا جهيدا وألما مضيضا ونزعا جريضا وسفرا طويلا و زادا قليلا فويلي ثم ويلي إن لم يرحمني الجبار
فقال له يعلى في تلك اللحظة القاسية :
يا حجاج إنما يرحم الله من عباده الرحماء الكرماء أولي الرحمة و الرأفة و التحنن و التعطف على عباده وخلقه ,أشهد أنك قرين فرعون و هامان لسوء سيرتك وترك ملتك و تنكبك عن قصد الحق وسنن المحجة وآثار الصالحين قتلت صالحي الناس فأفنيتهم وأبرت عترة التابعين فبترتهم وأطعت المخلوق في معصية الخالق وهرقت الدماء و ضربت الأبشار وهتكت الأستار وسست سياسة لا الدين أبقيت ولا الدنيا ادركت ,أعززت بني مروان و أذللت نفسك وعمرت دورهم و أخربت دارك فاليوم لا ينجونك و لا يغيثونك إذ لم يكن لك في هذا اليوم ولا لما بعده نظر
لقد كنت لهذه الأمة اهتماما واغتماما و عناء و بلاء فالحمد لله الذي أراحها بموتك و أعطاها مناها بخزيك
فسكت الحجاج و تنفس الصعداء و خنقته العبرة ثم رفع رأسه فنظر إلى يعلى و قال:
رب إن العباد قد أيأسوني ورجائي لك الفداة عظيم
و دعا فقال : اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل و صار يردد هذين البيتين :
يا رب قد حَلفَ الأعداء و اجتهدوا
أيمانَهمْ أنني من ساكني النارِ
أيحلفون على عمياءَ ويحهمُ !!
ما ظنهم بعظيم العفو غفاارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونضيف إلى القصة السابقة قصة أخرى لا تقل عنها متعة وغرابة ,وهي قصة الحجاج بن يوسف مع التابعي الجليل "سعيد بن جبير".
جاء ( سعيد بن جبير ) ( للحجاج )
قال له الحجاج : أأنت شقي بن كسير ؟!
( يعكس اسمه )
فرد سعيد : أمي أعلم بإسمي حين أسمتني .
فقال الحجاج غاضباً : " شقيت وشقيَت أمك !! "
فقال سعيد : " إنما يشقى من كان من أهل النار " ، فهل أطلعت على الغيب ؟
فرد الحجاج : " لأُبَدِلَنَّك بِدُنياك ناراً تلَظّى ! "
فقال سعيد : والله لو أعلم أن هذا بيدك لاتخذتك إلهاً يُعبَد من دون الله .
قال الحجاج : ما رأيك فيّ ؟
قال سعيد : ظالم تلقى الله بدماء المسلمين !
فقال الحجاج : أختر لنفسك قتلة يا سعيد !
فقال سعيد : بل أختر لنفسك أنت ! ، فما قتلتني بقتلة إلاقتلك الله بها !
فرد الحجاج : لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً قبلك، ولن أقتتلها أحدا بعدك !
فقال سعيد : إذاً تُفسِد عليّ دُنياي، وأُفسِدُ عليك آخرتك .
ولم يعد يحتمل الحجاج ثباته فنادى بالحرس : جروه واقتلوه !!
فضحك سعيد ومضى مع قاتله
فناداه الحجاج مغتاظاً : ما الذي يضحكك ؟
يقول سعيد : أضحك من جرأتك على الله، وحلم الله عليك !!
فاشتد غيظ الحجاج وغضبه كثيراً ونادى بالحراس : اذبحوه !!
فقال سعيد : وجِّهوني إلى القبله ، ثم وضعوا السيف على رقبته ، فقال : " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ."
فقال الحجاج : غيّروا وجهه عن القبلة !
فقال سعيد : " ولله المشرق والمغرب فأينما تُولّوا فثمّ وجه الله ."
فقال الحجاج : كُبّوه على وجهه !
فقال سعيد : "منها خلقناكم وفــيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ."
فنادى الحجاج : أذبحوه ! ما أسرع لسانك بالقرآن يا سعيد بن جبير !
فقال سعيد : " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " . خذها مني يا حجاج حتى ألقاك بها يوم القيامـه !!
ثم دعا قائلاً : " اللهم لا تسلطه على أحد بعدي " .
وقُتل سعيد ....
والعجيب أنه بعد موته صار الحجاج يصرخ كل ليله : مالي ولسعيد بن جبير، كلما أردت النوم أخذ برجلي !
وبعد 15 يوماً فقط مات الحجاج ولم يُسلط على أحد من بعد سعيد ...
رحمك الله يا ابن جبير !
أين نحن من ثباتك وقوة حجتك !
وسلامة إيمانك ،؟
" اللهم لاتجعل الدنيا أكبـــر همنا ولا مبـــلغ علمنا ولا الى النـار مصيرنا يـــــالله "