قصة وعبرة
يروي أحدهم فيقول:
كنت في المدينة النبوية الشريفة وحان موعد صلاة الظهر، توضأت ونزلت إلى المسجد النبوي، فرأيت رجلا سودانيا يقال له: "أبو مالك"، دائم البسمة، وجهه بشوش يشع نورا...أحببته في الله بمجرد النظر إليه
عنده همة تتوقد، يقرئ القرآن ولا يَمَلُّ، فإذا ألقيتَ عليه السلام يرد السلام؛ يُجْلِسُكَ ويقول : اقرأ عَلَيَّ سورةَ الفاتحة، فيصحح لك الأخطاء في التلاوة، فإذا فَرَغَ أخذ يذكر ربه..
سألته : أحدث معك موقف أثَّر في نفسك؟
قال : نعم؛ ولن أنساه أبدا ما حَييت
قلت: فما هو؟
قال: "جاءني رجل في أوائل الثمانين، طلب مني أن أحفظَه كتاب الله، فقلت له : يا والدي؛ أنت مُسِنٌّ، وحِفْظُكَ صعب" ‼
قام المُسِنّ غاضبا وقال: لن أسامحك؛ وسأُحاجِجُك بهذه الكلمات أمام ربي، أريد لقاء الله وكلامُه في صدري، ثم ذهب..
ناداه أبو مالك: يا والدي على الرأس والعين؛ لك كل الوقت، لك كل ما تريد..
فرح الرجل المُسِن وبدأ أبو مالك مشوار التحفيظ للعَمّ المُسِن، مَرَّة يحفظ آية، ومرة صفحة، ومرة لا يحضر، ومرة إذا حضر لا يحفظ شيئا، وبعد سنوات استطاع الرجل المُسِن حِفظَ كتاب الله تعالى وكان عمره ناهز وقتها 86 عاما.
وكعادة القُرَّاء : أن الذي يختم القرآن، يقرأ سورة الناس ثم الفاتحة ثم أول خمس آيات من سورة البقرة، كي لا تكون آخر ختمة لديه، ثم يسجد بعدها شكرا لله تعالى.
حدثني أبو مالك: أن الرجل المُسِنّ كان يبكي فرحا، ويبتسم...أنهى سورة الناس، ثم الفاتحة ثم أوائل سورة البقرة ثم سجد لله باكيا...
فكانت تلك آخر سجدة سجدها...لم يقم بعدها ولم أدرِ وقتها؛ أأبكي فرحة له، أم أبكي حسرة على نفسي ولفراقي لجلساته؟!
لله درُّه هِمَّة متوقدة...وضَع هدفا نصب عينيه، ولم يلتفت للمثبطين ولله در الشيخ أبي مالك السوداني رحمه الله حيا وميتا، وضع يده بيد أخيه ليوصله إلى نهاية الطريق ,فجزاه الله كل خير.
فليت لنا همة الرجل المسن، وقلب أبي مالك
"رامي الرماح لا تهمه سرعة الرياح
بل يجري معها ليصيب الأهداف الصحاح
مراكز التحفيظ منتشرة ومتوفرة بكل مكان، ولكننا غافلون
سلْ نفسك كم دقيفة تضيع منك في اليوم في مواقع التواصل، وكم دقيقة تضيع في اللا شيء؟!
لا مجال لقول : ليس عندي وقت..فقط استعن بالله وتوكل عليه، وسله الهداية والتوفيق