بعيداً عن المبالغات الدرامية.. إليكم سيرة البطل التاريخي "أرطغرل" الحقيقية

جمعة, 12/11/2021 - 22:42

تتجلى شخصية "أرطغرل بن سليمان شاه" بصفاتها الكاملة، مثل ما عرضته الدراما التركية في مسلسل متعدد الأجزاء، نال الشهر في العالم العربي والتركي بالأخص.

عرف هذا المسلسل باسم "قيامة أرطغرل"، وعرض بالمئات من الحلقات الطويلة وكسب إخراجه الفني رضا الشعوب العربية والتركية.

ليس من المبالغ فيه أن تأخذ هذه الشخصية العظيمة التي عرضها المسلسل شعبية كبيرة بين الشعوب العربية والمسلمين، الذين مازالوا متأثرين في الماضي.

فهل الشخصية الحقيقية لـ "أرطغرل" التي كانت قبل ثمانية قرون هي مشابهة للشخصية التي قدمتها الدراما التركية أم أنّ التاريخ له رأي آخر؟

هجرة الأتراك إلى العروش

في الربع الأول من القرن الثالث هجري، حدث فاصل في التاريخ التركي الإسلامي، حيث جلب الخليفة "المعتصم العباسي" المئات من المقاتلين الأتراك من كافة أنحاء أسيا وأسس جيشاً.

كما جعل من عاصمة دولته "سُر من رأى" مسكناً لهم، ومع مرور الزمن تطور اسمها لتصبح "سامراء"، وبسبب ضعف الخلفاء الذين جاءوا بعده ازداد النفوذ العسكري التركي.

بسطوا سلطتهم وصار بإمكانهم أن يقتلوا وينفوا من أرادو من الخلفاء، ويعينون شخصاً يعمل لخدمتهم، ودامت هيمنة الأتراك على بغداد قرن كامل.

وفي القرن الرابع هجري والنصف الأول من القرن الخامس، سيطر عليها قوم بني بويه الذين يعودون بأصلهم من "الديلم"، فقاموا باستحداث منصب السلطان، بصلاحيات منفردة.

في حين أنهم جعلوا من الخليفة العباسي قائداً شكلياً دون سلطة وصلاحية، فعادت القوات التركية لبسط سيطرتها على العراق بقيادة "طغرل بك السلجوقي" عام 447 هجري.

يعود أصل السلاجقة إلى جنوب روسيا وأواسط آسيا، وأساسهم عشائر بدو محاربين يعيشون من مصادر الرعي، فهم متنقلون ومهاجرون في استمرار نحو الأراضي الخصبة والدافئة.

لكن في نصف القرن العاشر هجري، بدأوا الدخول في المجال السياسي في آسيا، وفي القرن الذي يليه بدأت تتشكل وتتمدد دولتهم إلى أن بلغت سلطتها بلاد الشام والعراق وفارس، وبدأت الهيمنة السياسية على بغداد.

وقد استمرت سلاجقة الروم بالهيمنة على بعض المناطق في هضبة الأناضول لمدة قرنين من الزمن، إذ كانوا في أقوى حالاتهم خلال هذه الفترة.

الهروب من المغول إلى التاريخ

في عام 1206م وحّد القائد المغولي "جنكيز خان" القبائل المغولية، فكان القرن السابع هجري هو نصيب المغوليين دون منازعين.

فبدأ القائد في غزو المناطق الآسيوية المجاورة والإمبراطورية الخوارزمية.

حكم المغول مدة دامت 50 عاماً على مساحة تجاوزت 23 مليون كيلو متر مربع.

في جنوب ووسط وغرب آسيا، وبعض أوروبا الشرقية، وسيطروا على بعض حضارات العالم منها بغداد عام 656 هجري.

رجل الأقدار أرطغرل في الأناضول

تحدثت بعضاً من الروايات التاريخية عن أول ظهور لـ أرطغرل، إذ ينتمي هذا الشخص العظيم إلى عشيرة عرفت باسم "الكايي"، وتنحدر هذه العشيرة من قبائل "الأوغوز التركية".

هاجرت هذه القبائل بالإجبار إلى أواسط آسيا، ومن ثم إلى جزيرة الفرات في الجنوب التركي والشمال العراقي، وفي المنتصف الأول من القرن السابع هجري، مكثت في مدينة أخلاط الواقعة في أرمينيا الوسطى.

إذ هاجرت من هذه المدينة عندما تم غزوها من قبل السلطان "جلال الدين بن خوارزم شاه" عام 626 هجري، واتجهت إلى غربي الأناضول، فحينها غرق قائد العشيرة "سليمان شاه" والد أرطغرل وهو يعبر النهر.

أدى موته لانقسام العشيرة، فمنها من استقر في الشام بمدينة حلب، وما يقارب 400 عائلة بقيت تحت قيادة أرطغرل وتوجهوا إلى الأناضول، ومع الزمن بدأت العشيرة بقيادته الدخول إلى ساحات الحرب والتاريخ.

فحدثت معركة بين جيشين أمامهم، الأمر الذي دفع أرطغرل وفرسانه بمناصرة الضعيف، وتمكنوا من سحق الجيش القوي وانتصروا عليه.

وبعد هذا الانتصار تفاجئ القائد أرطغرل بأنّ الجيش الذي ناصره كان جيش سلطان دولة السلاجقة الروم "علاء الدين كيقباد"، فقدم السلطان لعشيرة أرطغرل المكافئات وأعطاهم أراضٍ بالقرب من أنقرة.

كانت هذه الأراضي أمام الحدود البيزنطية، ليقوموا بالدفاع عن الدولة مقابل أن يقدم لهم ما يسيطرون عليه من أراضي البيزنطيين، وبعد مرور السنوات تمكن أرطغرل وفرسانه من حماية الحدود بكل بسالة.

توسعت إقطاعية القائد العظيم مع الوقت، حتى تمكن من توسيع نفوذه في الشمال الغربي من الأناضول.

درع الأناضول ورمحه

اتخذ أرطغرل من مدينة "سوغوت" مركزاً له ولجيشه، فقام السلطان السلجوقي بتلقيبه "أوج بكي" بمعنى حامي الحدود، وجاء ذلك تقديراً لأعماله الدفاعية الحربية عن الحدود من البيزنطيين.

تمكنت مدينة "سوغوت" من الازهار وازداد التوجه السكاني إليها، نظراً لأمنها واستقرارها الذي تكفل به القائد العظيم أرطغرل، ولبعدها عن أيادي المغول والتركمان المتمردين.

ساهم ذلك في ازدهار وتقوية اقتصاد المدينة عبر الطرق التجارية التي تمر في أراضيها، وزاد من قوة أرطغرل المقاتلين الذين انضموا لجيشه رغبةً في حماية الحدود، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة قوة جيشه.

وشنّ حرباً ضد البيزنطيين لبسط السيطرة على الأراضي وتمديد نفوذه، وتمكن من السيطرة على مدينة "إسكي"، مما أثار الخطر على البيزنطيين.

من الإقطاعي إلى الإمبراطور

بقي أرطغرل لمدة نصف قرن مسيطراً على إمارته وحامياً الحدود، ولم يهدأ عن تمدد وبسط نفوذه وبقي مديناً بولائه للسلاطين السلاجقة الذين كانت دولتهم تتفكك بشكل تدريجي.

جاء هذا التفكك ليخدم المشاريع التي يسعى إليها أرطغرل وليمنحها الاستقلال النسبي والحرية في التصرف والحركة في خططه الحربية والسياسية.

لاقى هذا القائد العظيم في عمر 90 سنة عام 687 هجري، وخلفه ابنه عثمان الأول مؤسس الإمبراطورية العثمانية، وانتهج عثمان طريقة حكم والده في الحروب وزاد قوة إمارته اقتصادياً وسياسياً وإدارياً.

سيطر على العديد من الأراضي البيزنطية كبني شهير، وحاصر مدينة "نيقية".

وهكذا قد بدت قصة القائد العظيم أرطغرل التي خلدها التاريخ غاية في الإثارة والتركيز والبسالة، وترسم الكثير من المشاهد الواسعة الخيال لملئ ما بين الأسطر، ولتروي واقع الحروب والتحولات والملاحم التي حدثت عبر التاريخ.

  

         

بحث